القدس ومكانتها التاريخية والدينية في وجدان الأمة

بقلم / مرح المأمون

القدس ليست مدينة عادية، بل هي قلب التاريخ النابض، وعنوان الهوية التي سكنت ضمير الأمة الإسلامية والعربية منذ فجر الرسالة. إنها المدينة التي اختارها الله لتكون موطن الأنبياء، ومهوى أفئدة المؤمنين، ومسرى خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.

في ربوعها تداخلت السماء بالأرض، وارتفعت أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، المسجد الأقصى المبارك، الذي بارك الله حوله، فصار رمزاً للوحدة والقداسة.

تاريخ القدس يمتد عميقاً في جذور الحضارات، فقد كانت عاصمة لملوك الكنعانيين واليبوسيين قبل آلاف السنين، واحتضنت على مر العصور شعوباً وديانات متعددة، لتغدو مرآة للتاريخ الإنساني بكل ما فيه من نور وصراع. وقد بقيت القدس عبر القرون محور الصراع بين قوى الاستعمار والمقدسات، لأنها تمثل روح الأمة ومركز هويتها.

في وجدان الأمة، القدس ليست مجرد جغرافيا أو حجارة، بل هي عقيدة وإيمان. كل آية تتحدث عن الأرض المباركة تُحرك في قلوب المسلمين ارتباطاً روحياً لا ينفصم. ومنذ أن أسرى الله بنبيه إليها، أصبحت رمزاً للوعد الإلهي، وميداناً للنضال في سبيل الحرية والكرامة.

لم تخلُ مرحلة من التاريخ العربي والإسلامي من حضور القدس في الوعي الجمعي؛ فهي التي وحّدت المسلمين في زمن صلاح الدين، وأيقظت فيهم شعور الانتماء والنهضة. واليوم، لا تزال القدس تمتحن ضمائر الأمم، وتنتظر من أبنائها موقفاً يعيد إليها مكانتها ومجدها.

القدس ستبقى، مهما تغيرت الموازين، البوصلة التي تهدي الأجيال إلى الحق، والمفتاح الذي يربط الماضي بالحاضر والمستقبل. إنها ليست فقط مدينة للأنبياء، بل رسالة متجددة في وجدان الأمة، بأن لا نهضة بلا كرامة، ولا كرامة بلا قدس.

 

*كاتبة فلسطينية