القرى الطلابية – وسيلة إسرائيلية لترسيخ الاستيطان في الضفة

السياسي – تحت قناع أكاديمي، وبمسمى “قرى طلابية”، تتفنن الجمعيات الاستيطانية، ومن خلفها الدعم الحكومي، في ابتلاع الأرض الفلسطينية، وزرع مزيد من البؤر والمستوطنات فيها.

وبعيدًا عن أضواء الإعلام، تستقطب تلك القرى الطلابية الاستيطانية، طلبة ومعلمين إسرائيليين، وتمنحهم فرصة السكن والتعلم في مستوطنات بالضفة، وتحويلهم إلى “مستوطنين متفرغين”.

وانطلقت فكرة القرى الطلابية في “إسرائيل” مطلع القرن الـ21، وسرعان ما توسعت وأصبحت ظاهرة متجذرة في المجتمع الاستيطاني، وبات كثير من خريجيها يربّون الجيل الجديد داخل المستوطنات، فيما استمرت إقامة قرى طلابية جديدة بوتيرة متسارعة، في الكيبوتسات والموشافات، وامتدت فشملت المدن والمجالس المحلية.

-تثبيت السيطرة على الأ{ض

ووفق ما يرشح من الإعلام الإسرائيلي، يعيش الطلبة سنوات دراسية في المناطق الاستراتيجية كقرى مؤقتة، ظاهرها الحياة الطبيعية، لكن الهدف هو تثبيت السيطرة على الأرض، وخلق واقع جديد يصعب تغييره، أو التراجع عنه، وسرعان تتحول لبؤر استيطانية دائمة محمية ببنى تحتية وحراسات أمنية .

غير أن الوقائع الميدانية تكشف عن الوجه الحقيقي لتلك “القرى الطلابية”، وخلاصته التوسع الاستيطاني وطمس الوجود الفلسطيني.

وطورت “إسرائيل” هذه القرى لتكون أداة لترسيخ مشروعها الاستيطاني، فهي تقدَّم بواجهة تعليمية واجتماعية جاذبة للشباب، لكنها في جوهرها تُستخدم لزرع تجمعات سكانية إسرائيلية في قلب الأراضي الفلسطينية المحتلة.

-تسهيلات السكن والعمل

وتُستقطب إليها فئات محددة من الطلبة، خصوصا خريجي المدارس الدينية والجامعات، وتُمنح لهم تسهيلات في السكن والدراسة والعمل داخل هذه القرى، ورغم وصفها الرسمي بأنها “مؤقتة”، فإنها سرعان ما تتحول إلى نواة استيطانية دائمة مدعومة ببنية تحتية وخدمات ووحدات عسكرية للحماية.

وتكشف مواقع إعلامية عربية وإسرائيلية أن عشرات الجمعيات الاستيطانية، أبرزها “كيدما”، التي تأسست عام 2013، و “إياليم” التي تأسست عام 2002، تتخذ خطابًا يقوم على إحياء “الصهيونية العملية”، وإعادة ربط الشباب بالأرض والحدود وأطراف المناطق.

ويرتكز الخطاب إلى تصوير تلك المناطق في غور الأردن أو جنوب الخليل أو الجليل، باعتبارها فضاءات جديدة “مليئة بالفرص”، وأنه يجب على الجيل الشاب استثمارها وتثبيت الوجود الإسرائيلي فيها، يرافقها الترويج لفكرة أن الاستيطان ليس عملا سياسيا بقدر ما هو “مشروع حياة” باعتبارهم “المفتاح” لإعادة إنتاج المشروع الصهيوني.

-تجنيد القوة الناعمة

ويصف مدير عام التوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أمير داوود، القرى الطلابية، بأنها تجنيد لكل أشكال القوة الناعمة التي تصب في خدمة المشروع الاستيطاني المتوحش، وصولاً لعملية تجميل مفهوم الاستيطان عبر مخيمات ومعسكرات وقاعات تدريس وخلافه.

ويضيف داوود أنها محاولات محمومة لإضفاء الصبغة الاجتماعية والتربوية على البؤر الاستيطانية، التي تعتبر منطلق تنفيذ الاعتداءات الإرهابية ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، وتقف خلفها في نفس الوقت ماكينة إعلامية متشعبة، تضخ معطيات تدعم توصيفها كمنظومة إصلاح اجتماعي للشبان بعد انكشاف طبيعتها للعالم، بدعم حكومي واضح.

فكر عنصري

من جهته، يعتبر الباحث في شؤون الاستيطان فارس الفقهاء، أن الواقع الحالي للاستيطان، هو نتاج للقرى الطلابية، التي تلتقي مع التوجهات الأيديولوجية لفتية التلال، ومن يتربون على الفكر العنصري والديني المتطرف، ويترجمون كل ما تعلموه في نهج الابتلاع والمصادرة والتخريب والسرقات .

وبحسب الفقهاء تحظى القرى الطلابية الاستيطانية بدعم رسمي واسع، يتجاوز المبادرات الفردية، وجرى التعامل معها في الكنيست كـ “تجمعات حدودية” تعزز لأسباب أمنية، وتوسعت لتشمل أكثر من 60 موقعا مصنفا ضمن أولويات إسرائيلية، من غور الأردن إلى غلاف غزة ووادي عربة وغيرها، مع تخصيص لجان حكومية عشرات الملايين من الشواكل لدعمها وتعزيز الاستيطان .

-خط دفاع عن الاستيطان

ويقول الباحث في مركز أبحاث الأراضي محمود الصيفي، إن القرى الطلابية رغم مظهرها، إلا أنها تحاكي المخيمات الصيفية وتتلفع بالواجهة التعليمية والاجتماعية، لكنها في نفس الوقت تتحول عمليا إلى خط دفاع أول عن البؤر الاستيطانية غير القانونية، حيث تشترط المنح الطلابية الانخراط في أنشطة زراعية وخدماتية ونوبات حراسة ليلية لحماية المستوطنات ومزارع الرعاة.

وكانت تقارير إسرائيلية كشفت مؤخراً أن طلبة القرى يشاركون في حماية مزارع رعوية استيطانية، مثل “بني كيدم وتسان كيدا ومتسبيه أشتموع وعساهيل”، حيث تستخدم القطعان ذريعة للسيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية، رغم قلة عدد المستوطنين.

وكانت وزارة الزراعة الإسرائيلية وصفت هذه القرى بأنها برامج وطنية لحماية الأراضي الزراعية، حتى خارج الخط الأخضر، فيما تعرفها الجمعيات نفسها كـ “قاعدة انطلاق للاستيطان الدائم”، وتأسيس نوى مجتمعية جديدة.