القمة العربية وأولوية توحيد الفلسطينيين

جمال زقوت

رزمة «العطايا» التي أعلنها ترمب لمجرمي الإبادة ودعاة الترانسفير في الحكومة الإسرائيلية الفاشية، فاقت كل خيال حتى لجماعة كهانا التي كانت مصنفة كحركة إرهابية في كل من واشنطن وتل أبيب على حد سواء.

لقد قفز ترمب بهذه «العطايا» معلنًا نيته شراء قطاع غزة، دون أن يقول لنا من الذي سيعقد معه صفقة البيع تلك؟! ربما أنه يقصد شراءها من عصابة تل أبيب مكافأة لها على جرائم الإبادة للبشر، ولكل عناصر الحياة في القطاع.

يأتي ذلك في محاولة بائسة لتحدي كل القيم والقواعد التي توافقت عليها البشرية لمنع تكرار ما حدث في الحربين العالميتين الأولي والثانية، أي القانون الدولي وجوهره الإقرار بحق الشعوب في تقرير مصيرها، والعيش بأمن وسلام وكرامة في حدود معترف بها من المجموعة الدولية.

هذا هو ترمب الذي لم ينطق منذ تولي رئاسته الثانية كلمة الشعب الفلسطيني، في إشارة واضحة ليس فقط لتنكره لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بل وإلغاء وجوده كشعب، متماهيًا مع مواقف سمتريتش الذي سبق وأعلن قبل السابع من أكتوبر أنه لا يوجد شعب فلسطيني، ومتطابقًا مع نتنياهو بإلغاء الجغرافيا الفلسطينية، عندما أظهر خارطته دون وجود لفلسطين عليها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (سبتمبر 2023)، وأيضًا قبل انفجار السابع من أكتوبر.

أطماع العنصرية الصهيونية في فلسطين ومقولة: «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» لم تتوقف يومًا منذ بداية المشروع الصهيوني في بلادنا، بما في ذلك بعد إبرام «أوسلو» حيث استمر التوسع الاستيطاني دون توقف، وإن كان بوتائر مختلفة.

إعلان ترمب وتقديمه بدموع التماسيح على قتل أهل غزة، وادعاء ضمان حياة كريمة لهم في بلدان أخرى، تدحضه وقائع تشبث الفلسطيني بالعودة إلى ركام بيته، ليس فقط لأنه يدرك أن لا كرامة له سوى في وطنه، بل ولأنه لن يفرط بوطن الآباء والأجداد، وبحقه في تقرير مصيره عليه، وبقدرته على بناء مستقبل الأجيال القادمة والعنيدة فيه.

هذا ما يسعى إليه زعيم عصابة تل أبيب وزعيم العنصرية الجديد في البيت الأبيض، وهذا رد الشعب الفلسطيني على هذه المخططات التي تتجاوز بخطورتها الإبادة. والسؤال الذي يطرحه كل مواطن فلسطيني وعربي وكل إنسان حر في هذا الكون هو: كيف يمكن فعليًا تحويل الإرادة الشعبية الفلسطينية إلى سياسة ملموسة بخطط عملية تبني على الصمود والإرادة الأسطوريتين اللتين أظهرهما الشعب الفلسطيني على مدار سنوات كفاحه الطويلة وحتى اليوم؟!

مخططات بحجم الإبادة والتطهير العرقي، والتي باتت مواقف معلنة لسيد البيت الأبيض، لا يمكن هزيمتها فقط بالإرادة الشعبية والتشبث بالأرض، إن لم تتوفر رؤية واستراتيجية عمل وقيادة وطنية موحدة داخل أطر فلسطينية جامعة «منظمة التحرير الفلسطينية» تتحدى هذه المخططات، وتسمو على فئويتها أمام المخاطر الداهمة، بحيث تكون قادرة على استنهاض كامل طاقات الشعب الفلسطيني، لتحويل إرادة البقاء إلى قدرة فعلية على الصمود، ومواجهة هذه المخططات لإفشالها وهزيمتها. فما يجري هو المعركة الفاصلة بين الحق والظلم، ولا ينتصر الحق فقط كونه عادلاً، بل بتمكين أصحابه بكل عناصر المنعة والقوة.

وهل هناك مناعة لتحصين الشعب الفلسطيني أهم وأقوى من وحدته، ومن تسليحه برؤية كفاحية وقيادة موحدة تقود تضحياته وليس التفريط بها، لهثًا وراء سراب أوهام تسوية أمريكية؟!

فإن كان من حسنة لمواقف ترمب، فهي أنها أسقطت مثل هذه الأوهام، والتي لا تقتصر على تنكره لحقوق الشعب الفلسطيني وتستهدف اجتثاثه من أرضه، بل تستخف أيضًا بحلفاء واشنطن والمطبعين مع إسرائيل، كما تستهدف زعزعة استقرارها ومصالحها الوطنية والقومية خدمة لفرض إسرائيل سيدًا وشرطيًا على مجمل المنطقة.

حسنًا فعلت الشقيقة مصر بالدعوة إلى قمة عربية طارئة في القاهرة، فالخطر داهم ويستهدف الجميع، ولكن علينا أن ندرك بأن تجربة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية مع الجامعة العربية وقممها لطالما كانت محبطة ودون محل اهتمام من الشعوب. فحتى القرارات التي كانت متقدمة بنصها، لطالما بقيت حبيسة الورق الذي تكتب عليه، ولا يجري متابعة تنفيذها. وإن أرادت الدول العربية أن تكون قراراتها محل ثقة لشعب فلسطين والشعوب العربية، فإن المطلوب من هذه القمة إقرار ومتابعة تنفيذ ما هي قادرة عليه ذاتياً، ولعل القرار الأول، والذي يشكل متابعة لقرارات الجامعة العربية ذاتها، والمتمثل بإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، والتي ربما لو سبق وتحققت لما تجرأ ترمب على الاستخفاف بالدول العربية عندما قال «سيفعلوا»، مشيرًا لفرض تهجير الفلسطينيين على بلدانهم، وأيضًا ربما لما تمادى نتنياهو في مخططات الإبادة والضم والتهجير، ولن أجازف إن قلت لما كان السابع من أكتوبر قد حدث، بمعنى لكانت تل أبيب غير قادرة على التمادي لما وصلنا إليه عشية السابع من أكتوبر.

هذه هي كلمة السر التي تفصل هذه القمة بين تجربة مريرة مع قرارات لم تنفذ، وبين البدء بمصداقية حقيقية، صحيح أن تحقيق هذا الأمر يقع أولاً وأخيرًا على عاتق الفلسطينيين، وصحيح أيضًا أن الرئيس عباس كان عليه أن ينجز هذا الأمر على الأقل وفقًا لمقررات اجماع بكين، مسلحًا بإجماع القوى عليه، بعيدًا عن سياسة الإقصاء والتفرد والاستحواذ التي أوصلتنا إلى هوان ما نحن عليه.

ومن البديهي في هذه الحال أن تعلن القمة ليس فقط التأكيد على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في البقاء على أرضه وتقرير مصيره عليها، بل وإقرار ما يتطلبه ذلك من دعم سياسي يعيد تل أبيب وواشنطن إلى حظيرة القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وتقديم العون لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني وإعمار ما دمره الاحتلال تمهيدًا لأن يحمل عصاه ويرحل عن صدورنا.

هل هذا ممكن؟.. هذا هو المطلوب ودونه ستظل إسرائيل تعربد على المنطقة وتمارس سياسة «سلام القوي على الضعيف» أي الاستسلام، وهي مفردة سقطت من قاموس المواطن الفلسطيني مهما كانت التضحيات !

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً