التفكير مسار عقلي أو خريطة أو خطة عقلية، وهو جهد عقلي يتعامل مع أفكار سابقة مستقرة مع الوافد عليها ما يعني حتمية الصراع بين الوافد والمستقر، فإما استيعاب وإما طرد وإما مساومات تؤدي لانتزاع الفكرة الجديدة. التفكير بأصل العقل تحقيق الربط، والربط خاصية إنسانية من حيث أنك تعقل (من ربط العقال) أي تربط بين الأشياء والامور فتتبين الماهية من الذات للشيء كما ذكرنا سابقًا وهنا سنتعرض للتفكير النقدي والتحليل السياسي والرحابة بعجالة.
التفكير النقدي: يمكننا النظر طويلًا في معنى التفكير النقدي لا سيما وأن الأخ صخر حبش المثقف والمناضل الكبير قد كتب كتابًا هامًا تحت عنوان: النقد والنقد الذاتي يتوجب الاطلاع عليه، كما كتب الكثيرون حول الموضوع (أنظر صادق جلال العظم في النقد الذاتي بعد الهزيمة) وكتب لينين والأحزاب بغالبها حول الموضوع باعتباره ضرورة لتطوير الحزب أو التنظيم.
عمومًا فإن اعتبرنا أن النقد يعني القدرة على تبيان مواضع الخلل في الفكرة أو الموقف أوالمسار
فإن هذه القدرة النقدية التبيانية لا غنى عنها ضمن عمل المجموع أولًا
وثانيًا يجب أن تُفهم بمنطق الدفع بالعمل للأمام، وليس الهدم له.
أما ثالثًا فإن النقد كما نقول دومًا خاصة في الإطار الوطني فلا يجب أن يتخذ من المفهوم منصّة للشتم أو التخوين والتكفير والاتهام.
شتان بين النقد والشتم والتحقير. لأن في ذات النقد إيجابية حين الإشارة لمواضع الخلل بقصد إصلاحها ما يعني برأينا ضرورة تلازم التفكير النقدي مع التفكير الابداعي وإلا فلا.
فإن كنت شخصًا أو فريقًا تتقنُ التفكير النقدي فهذا جميل، ولكن أن تتوقف-خاصة كفريق أوتنظيم سياسي-عند حدوده وكأنك طاولت السحاب! فلا تُقدم على أي فعل فأنت كمن يدمر ذاته فقط بالبحث عن السلبيات دون حلّها، وبفعل ذاتي شخصي أوجماعي أو دون تقديم أي مبادرة أوعمل.
3- التحليل السياسي: على الفضائيات اليوم تجد من يسمّون أنفسهم محللين سياسيين وهم كُثُر وهناك الكثير بنفس السياق مَن يتصرفون كأنهم مهندسين حينما يحدثونك عن بناء منزل أو شق شارع، او كأطباء حينما يصفون لك أدوية محددة لتتخلص من علّة ما لاسيما وأن الشابكة (انترنت بالانجليزية) مليئة بالمعلومات حول هذا الشيء أو ذاك.
وعموما فلقد تنبّه المفكر الكبير هاني الحسن للأمر من كثرة مَن يسمون أنفسهم محللين سياسيين ولا يملكون من أدوات التحليل السياسي شيئًا حينما قال: أن جدّتي يمكنها أن تحلل!؟ ولكن ما الفرق بيني وبينها؟ الفرق خاصة عند القائد السياسي هو إدراك المستجدات والتعامل مع المتغيرات فما كان يصلح النظر اليه بالأمس قد لا يكون صالحًا اليوم.
وفي ذلك قد ننظر فيما يحصلُ في غزة والكارثة المتواصلة والنكبة و(مجزرة صبرا وشاتيلا) اليومية فيما لم يحصل لفلسطين قبل النكبة ما يعني منذ اليوم الثاني ضرورة إعادة النظر والمراجعة واتخاذ القرار المختلف وليس مناطحة الصخرة التي ستقصم رأس الثور ولن يحقق أي هدف.
4- الرحابة العقلية والتعددية: في هذا الإطار فإن منطق الرحابة العقلية والإتاحة والتسامح والسِعة تعني باعتقادي ثلاثة أمور
أولها الاعتراف
وثانيها القبول
وثالثها التجاور
فالاعتراف بالآخر وأنه موجود ككيان ويفكر، وليس شيء خفيّ يعتبر بداية التعامل معه ككائن حيّ سواء كشخص أو تنظيم أو فكرة وبدون الاعتراف بالآخر فلا نقاش ولا حوار ولا اختلاف مقبول.
أما ما نقصد بالقبول فهو هنا تقبّل الآخر أو الفكرة الأخرى باعتبارها موجودة وحقّها بالوجود رغم مخالفتها لي، وهذا يعني الاحترام المرتبط بالقبول والتالي لحالة الاعتراف.
أما ثالثًا فأن أعترف وأقبل ولكن أدير الظهر أو أمنع الآخر أن يشاركني ذات المساحة فنحن في مرحلة تسلّط مؤسسي واستبداد يتخذ الديمقراطية مدخلًا لقمع الآخر (أنظر الاستبداد الديمقراطي للمفكر عصمت سيف الدولة) بمعنى أنه يجب توفير الأدوات الديمقراطية والقانونية الدائمة لتجاور الأفكار أي ضمن ذات المكان جنبًا الى جنب (في السياق الوطني عبر البرلمان وتعميم الثقافة الديمقراطية بالمجتمع، من حيث هي حوار والتزام. وفي الاجتماعات والمؤتمرات).
إذن لنلخّص فكرة الرحابة والاستيعاب في أنها تضمن الاعتراف بالآخر وتقبل اختلافة والسماح القانوني بتجاوره لنا ضمن نفس المساحة.
في فكرة النقد كان الاخ خالد الحسن أحد كبار مفكري الحركة يقول: انقد الموقف ولا تنقد الشخص. فنقد الموقف في السياسة اليوم قد يجعلك توافق على موقف آخر من ذات الشخص غدًا، أما إن نقدت ذات الشخص فقد تخسره للأبد.
ولنا النظر في إطار الثورة والمقاومة الفلسطينية منذ انطلاقتها الحديثة عام 1965م حين كانت المدفعيات الكلامية مرتبطة بالاشتراكية والقومية، (والاسلاموية لاحقًا) في مواجهة الوطنية وضمن إطار منظمة التحرير الفلسطينية فإن أقصى نقد علني صعب حصل علنيًا بين الجبهة الشعبية (المعارضة) وبين حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح والأخ ياسرعرفات هو أن تم وصف أبوعمار بالمنبوذ على غلاف صحيفة الهدف التابعة للجبهة، وتم وصف القيادة الفلسطينية بالقيادة المتنفذة. وبالطبع على صعوبة هذه المصطلحات فإنها لا تصل للدواهي والمصائب الكلامية المرتبطة بمصطلحات اليوم المستخدمة حين يقفز التخوين والتكفير والتوصيفات الساخرة المهينة المهينة في مغالاة وتطرّف منبوذ، لا تذكرنا الا بحالات المغالاة والتطرف المرذول بالتاريخ العربي الإسلامي حين تقاتلت أكثر من 800 فرقة (تيار/طائفة/…) فظهرت الألهة (مدّعو الألوهية) والانبياء الزائفين (المتنبئون) والأئمة فوق البشر، والأمراء المعصومون، والشخوص (القادة والزعماء) المقدسون محمولين على أكتاف الناس وخاصة الغوغاء منذاك وحتى اليوم! (يتبع)