في إطار الحوارات الطويلة المتصلة لي مع عدد من الأخوة القيادات الملهمة المؤسسة للثورة الفلسطينية، والتالية عليها باللجنة المركزية للحركة، كما القيادات الكادرية بالحركة وخارجها ، وفي إطار المخالطة والمعايشة وفهم المواقف والمتغيرات، والتفاكر والتفكير تمكنت من إصدار كتاب عن الزعيم الخالد ياسر عرفات تحت عنوان: ياسر عرفات تاريخ من صنع يديه، وكتاب حول القائد الممتاز بعنوان: القائد الممتاز بين ثقة الآخرين والإلهام، والذي سبقهما من زمن كتاب: وجوه القيادة: إضاءات وأفكار حول دورك القيادي في محيطك ومؤسستك او منظمتك.
هذا وذاك عوضًا عن مئات المقالات ذات الصلة بالتنظيم السياسي، والفكر والعمل الجماعي والقيادة وبناء الشخصية والنفس، وشحذ المهارات والقدرات الشخصية والجماعية ما جعل من القدرة على التفهم والاستباط للفعل القيادي وضرورته، والنموذج القيادي وأهميته، والقدوة والسعي القيادي وتوقيته أساسًا في الكثير مما كتبته.
لا أعتقد أنني اكتفيت من طرق مفهوم العضو وهو المفترض أن يكون الأساس في الفهم الحركي لأي تنظيم سياسي ضمن عقلية الجماعة أو الفريق التي تفهم الفريق كمجموعة من الأعضاء بقدرات وأدوار متنوعة لكنها منسجمة متناغمة ومتواصلة وتتبادل المعلومات والخطط والتنفيذ والانجازات، وليست قطيعًا يؤمر فيطاع كما حال التنظيمات الفكرانية (الأيديولوجية) التي تفهم الطاعة أو الالتزام بإطار الخنوع الواجب، والاستسلام الذليل دون كلمة حق أو رأي مختلف.
كما أنني لم أكتفِ من البحث في مجاهل الشخصية الانسانية وفق عديد النظريات ووفق ما خرجت به من مفاهيم (الشخصية بالأبعاد التسعة وهو كتاب آخر لي)، على ذات الاعتبار أن الانسان أولًا، وبالمنظمة (التنظيم او الجماعة…) يكون العضو أولًا بمعنى الدعم والبناء والمتابعة ومن خلال القيادة (المسؤولة).
رغم كل ذلك إلا أنه لفت نظري فلسفة جميلة بالنسبة لي طرحها الأخ جبريل الرجوب في لقاء له على فضائية فلسطين (16/11/2025م)، وفي لقاءات أخرى، تتعلق بالقيادة عامة، ثم بالتخصيص حول دور الرياضة بالقيادة وحمل القضية وخدمة الشعب ما أضاف فكرة جديدة تستحق أن تسجل.
ذكر الرجوب أن القيادة -كما فهمناه- تقتضي رفض فكرة الانتظار، وتحتضن القرار وشجاعة الإقدام نحو العمل ثم العمل ثم العمل، وقدرتها على توظيف الأحداث والإرث والتفعيل للشارع الفلسطيني والعربي والعالمي. ولعله هنا ينهل من فكر حركة فتح الأصيل الذي اعتبر الفعل والمبادرة والقدوة وصنع الحدث أساسًا بمواجهة تنظيمات الشعارات المتجلدة، ويرفض (عقلية) انتظار السماء التي لن تمطر لا ذهبًا ولا فضة، كما يرفض حصر الدور في الخلفية حيث التعليق على الأحداث.
كما طرح أهمية وضع الخطط والبرامج والاستراتيجيات والحكمة السياسية كإطار عام محرك للأفعال والمهمات المختلفة بتناسق وتناغم لاسيما أننا بالوضع الحالي في مرحلة صعود بالرواية العربية الفلسطينية المناضلة العادلة التي بدماء وصمود شعبنا البطل والعظيم قد أسقطت رواية الاحتلال الظالمة والكاذبة، وكشفت عن وجهِهِ القبيح الملطخ بالمجازر والإبادة الجماعية والعنصرية الفجّة وبالقتل المنظم (ما حصل في نكبة ومقتلة غزة والصمود، وبتواصل المظلمة بالضفة من فلسطين) الذي كشفه العالم بشبيبته وشيبانه، وبان بتأييده لفلسطين والقضية الفلسطينية متقدمًا على قياداته كما هو متقدم على كثير من القيادات الفلسطينية الانتظارية العقل العاجزة الفعل التي افتقدت المبادرة وصُنع الحدث فلا خطط واضحة ولا فعل متواصل، ولا استراتيجية جامعة للكل الفلسطيني.
بالإضافة لفهم شخصية القائد بالقدرة على اتخاذ القرار والفعل المقدام والتفعيل والانجاز والقدوة، فلقد لفت نظري طرحه لأهمية المراجعة والنقد الذاتي ما هو هام جدًا ووعي حقيقي مطلوب خاصة إثر مذبحة غزة وصمود الشعب.
وفي الملاحظة الثالثة اللافتة نجد في حديث الفريق جبريل الرجوب أنه لم يكتفِ باعتبار القيادة مقصورة على القيادة السياسية كما قد يظن البعض، بل أشار لأدوات النضال والكفاح في المساحات الكثيرة الأخرى ومنها الرياضة حيث وضع القيادة الرياضية والرياضة واستراتيجيتها وبرامجها في خدمة فلسطين والقضية والشعب والرواية العادلة، حين قال نصًا نحن “نجعل الرياضة والمنتخب واللعب عنوان هويتنا والكبرياء، وفرصة ومنصة لتقديم عظمة القضية وهذا الشعب البطل الذي حرّك العالم، إنه الشعب المقهور الذي تعرض لإبادة جماعية صحّت العالم”. وهي منصة -أي الرياضة- استمرارية وتفاعل بين الشعوب كافة، و”كعنصر وحدة للفلسطينيين، وجسرنا نحو العالم”.
دعني أختم بالقول أن القائد هو القدوة والإيجابي المقدام دومًا، والقائد هو القادر على التقاط الحدث واللحظة واستثمارها وتوظيفها، والقائد هو المحراك للأحداث، وهو القول الفصل حيث وجب، والصمت حيث وجب. والقائد يظهر بالموقف والتفاعل معه حين سرعة اتخاذ القرار حيث وجب والتأني حيث وجب، بمعنى متلاكه المقدرة على التقدير للظرف والحدث والعوامل المؤثرة حين اتخاذ القرار، والمراجعة والنقد والمتابعة، وما يعني فهم الامكانيات وتوظيف المُتاح، واستثمارها بالإقدام دومًا والى الأمام.
(تجدها في موقع كتبي على منصة أرشيف: https://archive.org/details/@baker_abubaker/lists/2/baker-abubaker-books )








