المصدر: قناة N12
المؤلف: تامير هايمان
ما الذي يحدث الآن في لبنان فعلاً، وكيف يمكن تفسير تصاعُد هجمات الجيش الإسرائيلي هناك؟ سنحاول تنظيم الصورة وفهم الاتجاهات التي تشكل اللغز اللبناني.
أولاً، إن القيادة اللبنانية توفّر، فعلياً، فرصة تاريخية لإسرائيل. فالرئيس جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام هما شخصيتان تاريخيتان، وهما أول مَن يعلن، بصراحة، عن الرغبة في نزع سلاح حزب الله. وهما يحثّان الجيش اللبناني على تقديم خطة عملية للتنفيذ. يحدث هذا، إلى حد كبير، بفضل ضُعف حزب الله الناجم عن إنجازات الجيش الإسرائيلي.
ومع ذلك، تخيّم فوق هذه الرغبة تهديدات حقيقية تمسّ وجود لبنان نفسه. إنه تهديد خطِر، وفي ضوئه، تحدَّد جميع نشاطات الدولة؛طبعاً، المقصود هنا الحرب الأهلية. فالصدمة التاريخية التي دمرت لبنان من الأساس، والمأساة التي يكفي مجرد خطرٍ ضئيل لاحتمال تكرارها لردع أيّ تحرُّك، تجعلان أي خطوة محفوفة بالمخاطر. لذلك، نسمع تصريحات بارزة، لكن صفراً من الأفعال على الأرض. فكل احتكاك بحزب الله يُعتبر خطراً استراتيجياً.
إذاً، نعم، هناك خطة لتفكيك حزب الله، لكنها لم تُعتمد قط من الحكومة اللبنانية. وصحيح أن هناك تصريحات، لكن لا وجود لأي احتكاك حقيقي بالحزب على الأرض.
الزاوية الثانية هي إيران وحزب الله
من وجهة نظر إيران، إن فشل حزب الله ليس نهاية الطريق، بل نقطة الانطلاق لإعادة بنائه بشكل أفضل. لا توجد لدى طهران أي نية بشأن التخلي عن هذا التنظيم، وحقيقة أن سورية لم تعُد جسراً برياً إلى لبنان، وأن النظام القائم فيها يُعتبر معادياً لإيران، تُعتبر تحدياً يجب التعامل معه. ومع ذلك، فبالنسبة إلى الإيرانيين، سورية ليست عقبة لا يمكن تجاوُزها.
إن حزب الله، في جوهره، تنظيم مقاوم، وغايته الأساسية الصراع والمواجهة. لذلك، إن فكرة أنه يمكن أن يوجد الحزب من دون سلاح تمثل تناقضاً داخلياً ومفارقة مستحيلة، ولهذا السبب، تبذل إيران جهداً حقيقياً في إعادة تأهيل الحزب وبنائه من جديد؛ الخطوة الأولى التي تُنفّذ فعلاً هي تحويل الأموال ودفع الرواتب، إلى جانب محاولة تجديد البنية التحتية لحزب الله على الأرض.
الزاوية الأميركية
من وجهة نظر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يمكن تحقيق السلام بين إسرائيل ولبنان، وفي رأيه، يجب تفكيك قوات اليونيفيل لأنها ليست سوى إهدار للمال.
وبحسب هذا التصور، ستكون الولايات المتحدة منخرطة مباشرةً في عملية تفكيك حزب الله، لكن من دون إنزال قواتٍ على الأرض، وبالنسبة إلى ترامب، تُعدّ التصريحات الإيجابية الصادرة عن الرئيس اللبناني كافية لإعلان إنجازٍ كبير، وهنا تكمن المشكلة والخطر: فالولايات المتحدة تُعلن وتُصرّح من دون أن تتخذ خطواتٍ فعلية، بينما تعمل إيران بصمتٍ من دون كلام.
الزاوية الإسرائيلية
من وجهة نظر إسرائيل، تمّ تحقيق الحسم في لبنان، وزال التهديد الأكبر، فالوضع الحالي المتمثل في تعزيز الدفاع عن مستوطنات الشمال، إلى جانب العمليات المستمرة لمنع إعادة بناء حزب الله، يُعتبر كافياً في هذه المرحلة، ولا توجد رغبة، أو استعجال، بشأن التقدّم دبلوماسياً إلى ما بعد ذلك، لكن المشكلة هي أن هذا الموقف يتماشى تماماً مع الجدول الزمني الإيراني، فحتى إيران بحاجة إلى وقت، ولا يجب أن نُوهِم أنفسنا بأنه من خلال هجماتٍ متفرقة يمكننا منع تعاظُم قوة جيش “إرهابي” منظّم؛ لقد تعلّمنا من التجارب السابقة أن هذا الأسلوب لا ينجح.
في الخلاصة، ومن دون خطوات عملية، سيفوت الوقت، وتنكشف الكذبة اللبنانية أمام الواقع. سيعود الوضع السابق، ويبقى حزب الله مسلحاً، لكنه لن يطيح حكومة لبنان، وتبقى بقية الأطراف في توازُن قائم على تسويات من تحت الطاولة، من دون حكومة فاعلة. هذا “النظام” سيصبح مجدداً الكذبة المنظّمة للبنان، وستتلاشى الفرصة التاريخية في تغيير الواقع، وإلى غير رجعة.
فما الذي يجب فعله؟
أولاً، لا يجب الخوف من وضع هدفٍ طويل الأمد للسلام مع لبنان؛ صحيح أن هذا يبدو مثالياً قليلاً الآن، لكن يجب وضع هذه الرؤية لبناء استراتيجيا لتحقيقها.
ثانياً، يجب استغلال زخم ترامب والمطالبة بعمل فعلي. في المقام الأول، من المفيد إخراج قائد قوة القدس المحلي (الطبطبائي) من لبنان؛ فهذا الرجل موجود بأمان في بيروت، ويعمل على بناء حزب الله. بعد ذلك، يجب حضّ الجيش اللبناني على الاحتكاك بحزب الله؛ فحتى لو كان احتكاكاً محدوداً، فإنه سيعزز مكانة وهيبة وسلطة الجيش والحكومة اللبنانية. أخيراً، طالما أن الأمور على حالها، يجب استمرار غارات الجيش الإسرائيلي، لكن لا يجب اعتبارها الحل.
يجب أن تكون الاستراتيجيا الإسرائيلية مختلفة في المدى الطويل. هذه الغارات ليست سوى وسيلة موقتة بغياب سياسة أميركية-إسرائيلية طويلة الأمد. لا يجب أن نضلل أنفسنا بالاعتقاد أنها ستمنع تجدُّد قدرة حزب الله.
يجب الافتراض أن أموراً كثيرة تجري أمام أعيننا، من دون أن يكون لدينا قدرة تنفيذية. إن الجمع بين رؤية سياسية تُكمل العمل العسكري الجيد للجيش الإسرائيلي، وبالتعاون مع الولايات المتحدة، هو وحده ما سيؤدي إلى واقع أمني مستقر في المدى الطويل.







