المصدر هآرتس
بقلم : نير غونتارز
يجب التحقيق في قضية النيابة العسكرية وفهمها، بمعزل تام عن الشبهات المتعلقة بالتعذيب الذي تعرّض له الأسير الفلسطيني في قاعدة “سديه تيمان”. فالمقارنة بين خطورة شبهات التعذيب وشبهات التستر على التحقيق في تسريب المعلومات من الكبار في النيابة، وعلى رأسهم المستشارة القضائية العسكرية نفسها، التي شرّعت منذ اندلاع الحرب، تقريباً، كل جريمة حرب يمكن تخيُّلها، هي مقارنة في غير محلها
ومع ذلك، إذا أصرّ أحد على المقارنة (وخصوصاً من أوساط اليسار الليبرالي)، فإن قضية النيابة العسكرية أشد خطورةً من قضية التعذيب من جوانب عديدة، ومعظمها يتجاوز حدود قانون العقوبات.
لماذا؟ لأن المشتبه فيهم في قضية التعذيب لا وزن لهم على الساحة العامة: إنهم سجّانون عسكريون. وإذا ثبُت أنهم مارسوا التعذيب، فإنهم ارتكبوا جريمة ضد إنسان، وخضعوا للاشتباه، ووُجّهت إليهم التهم، ويحاكَمون. ومع كل الاحترام للانحلال الذي أصاب المجتمع الإسرائيلي منذ سنة 1967 بسبب الاحتلال، ومؤخراً، بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، يوجد في أنحاء العالم كله أشخاص على شاكلة هؤلاء السجّانين الذين يعذبون الأسرى، حتى لو كان ذلك بدوافع قومية.
أمّا المتورطون في قضية النيابة العسكرية، فهُم من كبار المسؤولين في جهاز القانون داخل الجيش، وفي الدولة عموماً، ممّن خدعوا الجمهور وسلطات القانون الأُخرى والمحكمة، وتستروا وكذبوا عمداً، وبصورة منهجية. لقد فعلوا ذلك معاً، وبنيّة الخداع، والتسريب نفسه ليس مهماً، ولا يشكل جريمة جنائية. فالتسريب غير الحكيم بعيد كل البعد عن جوهر المشكلة التي كُشفت.
إن ما يُستخلص من قضية “الخط 300” [في 12 نيسان 1984 نفّذ 4 فلسطينيين خطف باص إسرائيلي يحمل الرقم 300، وقد اقتحمت قوات الشاباك الباص وقتلت أسيرين بعد إلقاء القبض عليهما] كان أقل ارتباطاً بقتل الأسرى وأكثر صلةً بثقافة الكذب داخل جهاز “الشاباك”. وكذلك هي الحال في قضية “سديه تيمان”: إن جوهر القضية هو ثقافة الكذب والتستر في النيابة العسكرية. وفي قضية “الخط 300” طُرحت أيضاً مسألة مَن أصدر الأمر (بالقتل)، أمّا هنا، في حالة التعذيب، فهذه المسألة لم تُطرح.
من المهم الانتباه إلى أنه في كلتا الحالتين، تُكشَف أمراض وأكاذيب أجهزة إنفاذ القانون في إسرائيل على حساب الفلسطينيين، وفي سياق الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
لقد لوّث كاذبو “الخط 300” جهاز “الشاباك” لأجيال، ومن المرجح أن كاذبي النيابة العسكرية لوّثوا النيابة العسكرية نفسها، وربما أجهزة القانون والعدالة في إسرائيل لأجيال قادمة. وفي ظروف معينة، قد تكون هذه هي القضية التي تؤدي إلى نجاح “الثورة القضائية”، بعد سنوات من محاولات بنيامين نتنياهو، المتهم هو نفسه بالجرائم.
لقد ألحق كاذبو النيابة ضرراً بالغاً بالجمهور الليبرالي في إسرائيل، الذي منحهم ثقته الكبيرة. فقيادة النيابة تصرفت، على ما يبدو، كأنها عصابة من المجرمين الذين يعرقلون سَير التحقيق والقضاء. وإذا تبين أن هذه هي الحال فعلاً، فلا يجب استبعاد فرض عقوبات مشددة عليهم. ولا يجوز أن يؤدي تهافُت اليمين الإسرائيلي على استغلال القضية، كأنها “صيد ثمين”، إلى تخفيف موقف اليسار الليبرالي منها، بل يجب الاعتراف بأن هذا الصيد الثمين وُجد فعلاً، وللأسف الشديد.
كذلك من البديهي القول إن فتح التحقيق في شبهة تعذيب الفلسطيني في “سديه تيمان”، ونشر مقطع الفيديو الموثق للتعذيب، لم يضر بأمن الدولة، ولا بسمعتها في العالم، بل ربما كان من الممكن أن يساهم فتح التحقيق في تحسين سمعة إسرائيل الدولية. غير أن كونه تحقيقاً وحيداً، في وقت تحوم فيه شبهات حول عشرات، أو مئات الحالات الأُخرى التي ارتكب فيها جنود الجيش الإسرائيلي مخالفات خطِرة، ولم يُفتح فيها أي تحقيق، قد ألغى حتى هذا الإمكان. فالتحقيق ونشر الفيديو لم تستفِد منهما إسرائيل، لكنهما أيضاً لم يضرّا بها.





