اعتماداً على ما نشرته صحيفة الجريدة، بتاريخ السابع من مايو الجاري، عن حقائق سكان الكويت، أكدت فيها، وبالرسوم الدقيقة، أن عدد الكويتيين بلغ 1.567.983، ويشكلون نسبة 31 % من السكان، بينما يتجاوز عدد الوافدين الـ3.419.483، حيث يتفوقون على المواطنين بنسبة عالية. كما قدمت الصحيفة دقة التفاصيل عن إعداد الذكور والإناث، فضلاً عن الأسماء التي تأخذ الصدارة للكويتين، فيأتي اسما محمد وعبدالله للرجال فوق القمة، وفاطمة ومريم للإناث.
المهم في هذه التفاصيل التأكيد على أن الكويت تعاني من خلل في التركيبة السكانية، جعلت من الوافدين أغلبية طاغية، ليس من السهل تعديلها، لأن التباعد في حجم الوافدين يتعدى كثيراً أعداد المواطنين، ففي القواعد الأولية في حسابات الأمن وشروطه أن ينعم المواطنون بأغلبية، تستجيب لتأمين قدرات الجهاز المسؤول عن الأمن الوطني على صون الهدوء، وحماية الاستقرار، وسلامة المسيرة الطبيعية في حياة المواطنين الواثقين من صلابة القاعدة الأمنية، والمتأكدين من هدوء البيئة المشجعة للتطور والتجديد في مسار حياة الشعوب.
ومن الطبيعي أن يتوقف المواطنون أمام هذه الإحصائية، التي لا تنتمي إلى مفاهيم الأمن، ولا علاقة لها بالعناصر المؤدية للاستقرار، وإنما جاءت من ليونة مرنة اعتادت على هذا الواقع الدخيل والغريب على قواعد ومفاهيم الأمن وشروطه. والواضح أن الوجود السكاني، وفق هذا التجمع الذي يشكل الكويتيون، وفي وطنهم، أقلية في حدود ثلث السكان، فلا يمكن تجاهل هذا الواقع، الذي يضع الكويت في قائمة الفائض في التسامح الأمني، والواثق باطمئنان من أن الوافدين حريصون على الأمن بدرجة لا تقل عن المواطنين، وأن هناك اعتبارات تفرضها على الكويت قلة السكان، وندرة أصحاب الاختصاص في مختلف المسارات، مع الوعي الذي يحمل الوافد بأن الكويت أحد أبرز البساتين الإنسانية، وأكثرها عفة، وأرقها معاملة، وأصلبها أمناً، وفوق ذلك لا أحد يتجاهل بعض حقائق الكويت ومقرها في حدائق الانسانية العالمية، التي تتابع نموها المنظمة العالمية لحقوق الإنسان، التي شيدت الكويت معها علاقة ثقة عميقة، فيها تبادلية الصراحة، والحرص على تأمين استمرارية هذه العلاقة الممتعة في حصادها.
عشت كسفير في نيويورك، وفي مبنى الأمم المتحدة، عشر سنوات، وانتقلت الى مجلس التعاون الخليجي سعيداً بحجم المخزون الإنساني الإيجابي، الذي حصدته الكويت، والذي توفّر لها من تراثها البحري والبري في الترابط الإنساني، الذي يتولد من معيشة ناشفة على سفينة خشبية، تهتز في مسارها، وتعطي فقط ما هو ضروري للمعيشة، لكنها ومع كل تلك التعقيدات تولّد منها الحس الإنساني المرتفع في ترابطه وقدرته على تجميع كل الطوائف في المجتمع الكويتي في صلابة صخرية لوحدة متماسكة. والحقيقة أنني أدوّن هذه الملاحظات من مراقبة تلك العلاقات، التي توفرت لي، لأن عائلتي أهل بحر وأسفار، تعايشت مع إملاءات البحر، حيث يغيب الرجال، وتبقى السيدات صابرات حتى العودة. الحياة في السفن الشراعية الكويتية تتميز بالألفة الإنسانية الجامعة، مشحونة بعواطف التآخي والغيرة والحرص على السلامة الجماعية، فلا توجد هناك تفرقة ولا تعالٍ، وإنما رابطة تعاونية جماعية، تعمل للحفاظ على سلامة الجميع. وكنت أجد في إصرار الأمم المتحدة على حقوق الإنسان ومساراتها، وعدالة الترابط المؤسس على كرامة البشر، والدعوة المستمرة إلى التآخي بين الشعوب، المواصفات نفسها، التي كانت بارزة في العلاقات الإنسانية على ظهر السفن، والحقيقة أن نمو السجل الإنساني الباهر في الأمم المتحدة جاء من سلوك راقٍ، ترجمة للميثاق الإنساني المتوارث في العلاقات، سواء في البحر أو البر.
كانت العلاقات الكويتية مع مختلف الدول إيجابية في عطائها، وثابتة في استقرارها، وواضحة في مسارها، بالإسهام في برامج التنمية للدول النامية، وفوق ذلك حققت الكويت مكانة مميزة في سجلات الإسهام في برامج الأمم المتحدة، بالإضافة الى قدرة القيادة الكويتية على احتلال موقع مميز في سجل الصداقات، حيث حقق المرحوم الشيخ صباح الأحمد ندرة المكانة كأمير للإنسانية، في احتفال استثنائي، أشرف عليه الأمين العام للأمم المتحدة، وشارك فيه كبار المسؤولين في المنظمة.
ولا شك بأن اختيار أمير الكويت أميراً للإنسانية وقع غير مسبوق، يضيف الى الكويت حالة دائمة من اللمعان الإنساني المرتبط باسم الكويت، حاملاً المعاني الخاصة في الشهامة الإنسانية والسخاء المتواصل وعلو العفة وطيب المعشر، لا نستطيع أن نجادل مثل الآخرين في التضييق على الذين حملتهم تيارات الحياة نحو الكويت، فليس ذلك من طباع الوطن المرهف، فلا توجد إجراءات عنف في الكويت، ولم نعتد على خشونة المواجهات، أو شحن الفائض الى مخازن مجهولة.
ورغم هذه الاعتبارات، التي هي جزء من الجسد الكويتي، فإن المسؤولية نظل نتحملها نحن في زيادة إعداد السكان، وفي الوقت نفسه لابد من وضع سقف على النسبة الوافدة، لكي تبقى أجهزة الكويت قادرة على ممارسة مسؤولياتها في جودة الخدمات، التي يحتاجها شعب الكويت.
تبقى الكويت واعية لمسؤولياتها حول توفير احتياجات الموجودين من الوافدين، ومواصلة الإصرار على تطويق العدد، بتهيئة العنصر الوطني للوفاء بما تتطلبه الكويت مستقبلاً، هذه هي المسؤولية التي علينا العمل على تحقيقها، وهي تجهيز الشباب الكويتي ليتناغم مع التطورات في مسار التكنولوجيا، وتوفير لقاءات كويتية تلبي حاجة الكويت وانسجامها مع التبدلات في مختلف زوايا الحياة، وفي الوقت نفسه، لا نستطيع أن نغفل حاجة الكويت الى بنية أمنية متطورة ونادرة للتعامل مع مستجدات الاستقرار، متابعين التحولات التي تمس حقائق الإقليم والمنطقة.
* نقلا عن “القبس”