اللاسامية باتت من الماضي و7 أكتوبر لا يبرر الإبادة

السياسي – مثلما في حالات الضياع الكلاسيكية، ترد إسرائيل على التحديات المتزايدة من جانب الساحة الدولية بالأذى الذاتي. عقب موعد انعقاد المؤتمر الفرنسي – السعودي المرتقب في 17 حزيران في الجمعية العمومية، الذي يخطط فيه لاعتراف دولي واسع بدولة فلسطينية، تحذر إسرائيل من اتخاذ خطوات من طرف واحد، وتهدد بضم مناطق في “يهودا والسامرة”. ففضلاً عن اتساع العزلة الدولية وضعضعة العلاقات مع العالم العربي، بما في ذلك شطب إمكانية التطبيع مع السعودية، فإن “سوط” الضم يعزز إمكانية تحقق سيناريو الدولة الواحدة – وهو أكبر التهديدات اليوم على الحلم الصهيوني.

إن التركيز الإسرائيلي على الحرب في غزة وعلى المناوشات الحادة في البيت، يصعّب ملاحظة حركة تكتونية سلبية تجري في الساحة الدولية، ومن المتوقع أن تقع على إسرائيل كالتسونامي في وقت قريب قادم. يصعب على كبار أصدقائها، وعلى رأسهم ألمانيا وإيطاليا وهولندا، الدفاع عن خطواتها، وبخاصة الحرب في غزة، التي لا أحد يفهم غايتها الاستراتيجية، وخاصة حين تترافق وإعلانات وزراء في الحكومة بالإبادة والاحتلال والتفجير. الأمر يخلق صورة دولة متطرفة وغير متوازنة ولا تراعي الاعتبارات الدولة، وتتطلع لتحقيق حلم مسيحاني في ظل التمسك بشعار “وبالأغيار لا يراعي”. لذلك، يتسع الخطاب العالمي حول مقاطعة إسرائيل وتقليص العلاقة معها، ويتعزز الخطر بتحولها إلى دولة معزولة.

إسرائيل لا تفهم أن ذاكرة 7 أكتوبر ضعفت بالتدريج في العالم، وثمة صعوبة في النظر إليها كتبرير لما يحدث في القطاع، التي تترافق ومشاهد لا يراها معظم الجمهور الإسرائيلي. لكنها في نظر العالم مقدمة أصيلة للمعركة الحالية. لن تستطيع إسرائيل وقف الدرك الذي وصلت إليه، باتباع الإعلام السيئ أو بالميول اللاسامية – حجج تعد إدارة ظهر للمشهد الذي ينعكس منه صورة دولة بلا استراتيجية مرتبة، باستثناء شعارات عن نصر مطلق وحرب أبدية.

في الخلفية، ثمة تمسك بالمفهوم المغلوط الجديد الذي نرى فيه أن أمريكا معنا في كل سيناريو، وه ما ثبت عكسه حين فاجأنا ترامب بحواره مع إيران، وباتفاقه مع الحوثيين، وبالمحادثات مع حماس، وباللقاء مع الشرع. هذا، إضافة إلى التمسك اليائس بـ “حلم الريفييرا الغزية” التي بقيت إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي تتمسك بالأخيلة عن دول تفتح بواباتها أمام الغزيين – ما يلحق ضرراً بالساحة الدولية.

حتى لو جرى العمل على تسوية في غزة، يبقى أمام إسرائيل تحد محتدم من جهة “يهودا والسامرة”، الذي ينطوي على اعتراف دولي متزايد بدولة فلسطينية، وهو ما يجسد بأن عنصراً مركزياً في المفهوم المغلوط الذي انهار في 7 أكتوبر لا يزال يعشعش في عقل أصحاب القرار في إسرائيل: تلك الفرضية القائلة بأنه يمكن حماية استقرار استراتيجي وتحقيق تطبيع مع العالم العربي دون بحث في المسألة الفلسطينية. ولما لم يكن قد طرأ أي تغيير في تركيبة أصحاب القرار ولم يجرِ أي تحقيق في إخفاق 7 أكتوبر، فليس مفاجئاً أن يكون هذا المفهوم المغلوط مثل غيره من المفاهيم الكثيرة الأخرى التي أوقعت فينا الأضرار.

حان الوقت لنتعلم من الآباء المؤسسين الذين كانوا ذوي رؤية واعية للواقع وقدرة على الأخذ بالحلول الوسط حين يلزم. في 1949 كان يمكن لبن غوريون أن يكمل احتلال البلاد من خلال السيطرة على “يهودا والسامرة” وقطاع غزة، لكنه فضل عدم ذلك لأن السيطرة على عدد كبير من السكان العرب ستخرق الميزان الديمغرافي في دولة ولدت لتوها، إلى جانب المعرفة بأن على الجهد القومي أن يتركز على بناء مؤسسات الدولة، والمجتمع، والجيش والاقتصاد وأن احتلال المزيد من الأراضي والسكان العرب سيمنع تطوير نظام ديمقراطي ويسبب احتكاكاً مع الساحة الدولية.

ربما يكون هناك سيناريو أسوأ من بقاء حماس في صورتها الحالية في غزة، وهو أن نعلق في حرب لا تستند إلى إجماع داخلي وشرعية خارجية. في الوقت الذي تركز فيه إسرائيل على الحرب في غزة، دون أن تطلع الجمهور على تداعياتها الاستراتيجية، يتبدد حلم التطبيع، ولا قدرة على تركيز الجهد وتجنيد الدعم الدولي في الصراع ضد “خليط أوشفيتس” الذي تطوره طهران بنشاط من خلال برنامجها النووي. قد تحتل إسرائيل غزة، لكن ستجد نفسها أمام ترسانة نووية تطرح تهديداً وجودياً بعيد المدى – وكان يفترض بها أن تركز عليه.

إن المجتمع الإسرائيلي ملزم بتوقف عملي في هذه المرحلة. الإسرائيليون يستحقون البدء بمعالجة صدمة 7 أكتوبر، والتوجه إلى إشفاء داخلي باسترجاع الاسرى؛ لاستيضاح مشاكل أساسية حادة انكشفت في أثناء الحرب (مثلاً العلاقات بين الحريديم والعرب، وبين الدولة)، ولترميم مكانتنا في العالم، وبلورة استراتيجية بعيدة المدى وعميقة إزاء غزة، وربما تستدعي معركة واسعة وسيطرة في المستقبل، وهو سيناريو تحقيقه في الظروف الحالية محمل بالكارثة. إضافة إلى ذلك، هناك واجب لتحقيق وطني، وهو مشروع عظيم الأهمية يتبدد كلما ابتعدنا عن لحظة نشوب الحرب، وبدونه ستبقى مواضع خلل شديدة ستعود لتتفجر بقوة أعظم مما في الماضي.

ميخائيل ميلشتاين
يديعوت أحرونوت 3/6/2025