السياسي – ترمز الألعاب الأولمبية إلى الوحدة العالمية والسلام والصداقة، وتجسد أعلى مُثُل التعاون الإنساني والاحترام المتبادل. ومع ذلك، فإن وجود الوفد الإسرائيلي في مثل هذا الحدث يثير أسئلة أخلاقية ومعنوية مهمة بالنظر إلى التوثيق الواسع النطاق لانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة وخارجها.
لعقود من الزمان، تميز احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، كما وثقتها هيئات دولية ومنظمات حقوق الإنسان المختلفة. ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فإن الاحتلال الإسرائيلي يُعتبر غير قانوني بموجب القانون الدولي بسبب استمراره وسياساته التي ترقى إلى الضم الفعلي للأراضي الفلسطينية وهذا ما تم تأكيده بشكل مباشر من قبل أخر قرار أصدرته محكمة العدل الدولية والذي يخطط الأمين العام للأمم المتحدة لعرضه على الأمم المتحدة للتصويت من قبل الدول للتأكيد على عدم مشروعية أي عملية ضم إسرائيلية للأراضي الفلسطينية. وتشمل هذه الإجراءات الإسرائيلية مصادرة الأراضي وهدم منازل الفلسطينيين والتخطيط الحضري التقييدي الذي يؤثر بشدة على قدرة الفلسطينيين على الوصول إلى الخدمات الأساسية وحقوق الإنسان الأساسية.
كما دعت محكمة العدل الدولية إلى منع أعمال الإبادة الجماعية في غزة، مسلطةً الضوء على الوضع الإنساني الوخيم الذي تفاقم بسبب العمليات العسكرية الجارية والحصار، الذي يقيد حركة الأشخاص والمساعدات الإنسانية، مما يؤدي إلى انتشار الفقر والحرمان والتشرّد في غزة المحاصرة. كما لاحظت هيومن رايتس ووتش أن السياسات الإسرائيلية خلقت “سجنًا مفتوحًا” في غزة، مع فرض قيود شديدة على الحركة والأنشطة الاقتصادية، مما يساهم في أزمة إنسانية لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
صنفت منظمة العفو الدولية جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين على أنها نظام فصل عنصري، يتميز بالقمع والهيمنة المنهجية في مناطق مختلفة، بما في ذلك داخل إسرائيل والضفة الغربية وغزة. ويشمل هذا القوانين التمييزية، والتهجير القسري، والحرمان من الحقوق الأساسية، والتي تهدف مجتمعة إلى السيطرة على السكان الفلسطينيين وتهميشهم.
وطالب المجتمع الدولي، بما في ذلك هيئات الأمم المتحدة المختلفة، مرارًا وتكرارًا بالمساءلة ووضع حد لهذه الانتهاكات. وتثير الجرائم الإسرائئيلية المستمرة تساؤلات عميقة حول مدى توافق جرائم إسرائيل مع مُثُل السلام والكرامة الإنسانية التي تمثلها الألعاب الأولمبية. إن مشاركة كيان غاصب متهم بمثل هذه الجرائم الخطيرة في حدث مخصص للوحدة والاحترام تبدو متناقضة وتقوض المبادئ ذاتها التي تسعى الألعاب الأولمبية إلى تعزيزها.
لقد سلطت التطورات الأخيرة المحيطة بأولمبياد باريس الضوء على التوترات السياسية والأمنية الكبيرة، وخاصة فيما يتعلق بمشاركة إسرائيل اللاأخلاقية في الحدث الرياضي العالمي. بدأ الجدل بمقطع فيديو يُظهر مسلحًا ملثمًا، يُزعم أنه من حماس، يهدد بالعنف في أولمبياد باريس. زعم هذا الفيديو، الذي تم تداوله على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، أن “أنهار الدماء” ستتدفق عبر شوارع باريس بسبب مشاركة إسرائيل في الألعاب الأولمبية. ومع ذلك، أكد تحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية ومصادر أخرى أن الفيديو مفبرك.
ونفت حماس بسرعة أي تورط لها، حيث وصف المسؤول الكبير عزت الرشق الفيديو بأنه دعاية صهيونية مصممة للتحريض ضد المقاومة الفلسطينية. وأيد المحللون العالميون هذا الرأي، مشيرين إلى العديد من الأخطاء في الفيديو التي تشير إلى أنه لم يتم إنشاؤه من قبل متحدثين أصليين للغة العربية أو من قبل حماس. ويشمل ذلك استخدام عبارات عربية غير صحيحة والزي غير المألوف للرجل في الفيديو، والذي انحرف عن الزي النموذجي للمقاومة الفلسطينية.
إن هذه الحادثة هي جزء من نمط واستراتيجية أوسع، حيث يبدو أن كلا من فرنسا وإسرائيل تؤطران المعارضة المدنية السلمية لمشاركة إسرائيل في الألعاب الأولمبية باعتبارها تهديدات أمنية وليس احتجاجات مشروعة. هذا التأطير ليس جديدًا ويعكس استراتيجيات سابقة استخدمت لتشويه سمعة المعارضة وتعزيز التدابير الأمنية لقمع حرية الرأي وتقويض المشاركة الشعبية الداعمة لفلسطين في باريس. على سبيل المثال، تم احتجاز وفد الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتزوج على متن طائرته في مطار باريس بسبب “حادث أمني” مزعوم، مما يؤكد بشكل أكبر على الرواية الفرنسية-الإسرايئلية المزيفة للتهديدات.
ولكن ردود فعل المدنيين في باريس جاءت لتفضح كل هذه الممارسات الأمنية الكاذبة والمزيفة. فأثناء مباراة بين إسرائيل ومالي، واجه الفريق الإسرائيلي صيحات الاستهجان والصافرات من الجمهور، مصحوبة بهتافات “تحيا فلسطين”. وعلى الجانب الأخر، تميز ظهور الوفد الفلسطيني في حفل الافتتاح بهتافات داعمة، مما يسلط الضوء على الاستنكار الشعبي الواسع النطاق لمشاركة إسرائيل بسبب جرائمها المستمرة في غزة.
ختاماً، إن الألعاب الأولمبية، رمز الوحدة العالمية والسلام وذروة الإنجاز البشري، تواجه مأزقاً أخلاقياً بمشاركة إسرائيل فيها. ففي خضم الاحتفال بالوئام والتعاون، يتحول الضوء إلى جرائم إسرائيل المستمرة في فلسطين، الأمر الذي يلقي بظلاله على المثل العليا للحدث. وترسم انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة، من مصادرة الأراضي إلى حصار غزة، صورة قاتمة تتناقض بشكل صارخ مع روح الألعاب الأولمبية. وتكشف التهديدات الأمنية الملفقة من قبل باريس وإسرائيل المحيطة بألعاب باريس، والتي تهدف إلى تشويه سمعة الاحتجاجات المدنية السلمية والمشروعة، عن المدى الذي قد يذهب إليه البعض لإسكات المعارضة عبر التزييف والتزوير.
ومع ذلك، فإن أصوات الناس في باريس، وهم يهتفون “عاشت فلسطين” ويطلقون صيحات الاستهجان ضد الفريق الإسرائيلي، تردد نداءً قوياً من أجل العدالة والمساءلة. ومع تجمع العالم للاحتفال بالوحدة، يصبح من الضروري التوفيق بين هذه المبادئ والحقائق على الأرض.
لا يمكن الحفاظ على الجوهر الحقيقي للألعاب الأولمبية إلا عندما تلتزم جميع الدول بنفس معايير الكرامة الإنسانية والاحترام، مما يضمن أن تظل الألعاب منارة للأمل والتضامن للجميع. وفي ظل فشل اللجنة الأولمبية بشكل متعمد في استبعاد إسرائيل من المشاركة في الحدث الرياضي العالمي، يبقى الطريق مفتوحاً أمام الجماهير لإطلاق صيحات الاستهجان ضد إسرائيل في الملاعب وخارجها، وينبغي كذلك رفع الصوت عالياً أمام انهيار المنظومة الأخلاقية للغرب الذي سمح بمشاركة مجرمي الحرب في الأحداث الرياضية.
*كاتب فلسطيني ـ باحث السياسة العامة والفلسفة السياسية