المجلس المركزي والمشكلة الأكبر في فلسطين

بكر أبوبكر

يعوّل الفلسطينيون على انعقاد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو الإطار الثاني بعد المجلس الوطني، الذي كُلّف القيام بدور المجلس الوطني منذ إقرار ذلك عام 2018م نظرًا للظروف فائقة الصعوبة التي تعيشها القضية الفلسطينية، وكافة أطرها الوطنية والحزبية.
إن حجم التعويل الوطني وربما العربي يعتمد ليس على الرائج التعاطي معه أي اختيار نائب لرئيس المنظمة، بل حقيقته تنطلق من شعار دورة المجلس الخماسي (1-لا للتهجير، ولا للضم، 2-الثبات في الوطن، 3-انقاذ أهلنا في غزة ووقف الحرب، 4-حماية القدس والضفة الغربية، 5-نعم للوحدة الوطنية الفلسطينية الجامعة)، مضيفين لها نقطة سادسة هي تجسيد دولة فلسطين (القائمة لكن تحت الاحتلال)على الأرض.
وبالتالي فإن المسار الوطني يظهر بالمقدمة، وتحقيق أهدافه. لأن وقف العدوان والحفاظ على صمود وثبات ورباط أهل فلسطين كهدف وشعار يستوجب رفع راية واحدة غير ملوثة بأية راية أخرى سواء إقليمية أو حزبية، وبمعنى الانتصار لفلسطين فقط وشعبها وصموده ومقاومته بكل الأشكال، وهو ما يتوجب على أساسه مشاركة كل الفصائل والمؤسسات والمنظمات حتى المدنية في إطار المجلس، أو على الأقل حين التعذر في إطار مشاوراته المُفضِية للقرار.
أن مقدار النتائج المتوخاة من الاجتماع يراها البعضُ مطلبًا وطنيًا طال انتظاره، ويراها عديد المحللين استجابة لضغوط عربية ودولية تريد أن ترى انفراجًا ما بالكارثة الفلسطينية الواقعة، وعبر تأمين درب سالك للقيادة الفلسطينية للمنظمة والسلطة التي يقتنع النظام الرسمي العربي بضرورة قيامها بأعباء الدولة الفلسطينية المرتقب تخليصها من الاحتلال، لاسيما والقرار العربي-مع بعض دول أوربا لاحقًا- ضمن “التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين” الذي أطلقته السعودية عام 2024 يتكرس بقوة الجهود لعقد المؤتمر الدولي رفيع المستوى حول التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين، في حزيران/يونيو 2025، برئاسة مشتركة بين السعودية وفرنسا.
إن تناسق نتائج الاجتماع وطنيًا وإقليميًا وعالميًا هو في إظهار مستوى عالٍ من الديمقراطية والوحدوية والقوة الوطنية الداخلية، وليس بقرارات ترتبط بتسمية شخص أو استحداث منصب فقط، وما يعني أن تكون العقلية الجامعة هي الحاكمة وليس الاستئثار أو الاستبداد أوالإلزام بلا نقاش أو حوار عميق ومسؤول، وتتجلَى بيد ممدودة بصدق، لاسيما وشيخوخة معظم أعضاء القيادة الفلسطينية في كافة الفصائل أصبحت بادية على القرارات عوضًا عن الوجوه والأجساد.
لم تبدأ قضية فلسطين العربية محليّة أبدًا، وإنما بدأت مشروعًا أوربيًا-أمريكيًا لتأبيد المَظْلَمة التاريخية المتواصلة، وبناء حالة الاخضاع القسري ثم الطوعي للأمة ككل وعبر فلسطين، من خلال غزو المنطقة واستعمارها، والسيطرة عليها واستنزافها وسرقتها وتحطيمها شذر مذر، وبتحقيق الإذلال والاستتباع السياسي والاقتصادي والثقافي للأمة تحت أرجل الغرب الاستعماري، ومن هنا جاءت الحركة الصهيونية أداة وخادمًا ثم شريكًا ومهيمنًا كان مرفوضًا ثم أصبح مقبولًا ويُحتفى به حتى في المنطقة.
مازال للدول الغربية الدور الأساس في التعقيد ودعم الإسرائيلي العنصري، ومنه نُصرة المحتل وتحقيق (التتبيع) وابتزاز الأمة وسرقة مقدراتها بالمليارات وحديثًا (بالترليونات) وبلا ثمن!
خلاصة القول هنا أن القضية العربية الفلسطينية ذات أبعاد عالمية وأقليمية وعربية، وهي بكل مراحلها من المستحيل أن تنزع ثوبها العربي (التكاملي)، وثوبها الاسلامي وثوبها الاقليمي، لذا وجب النظر عربيًا (الدول والأنظمة والقادة والشعوب والمؤسسات) ليس بعقلية الافتتان والاستتباع أوالمصلحية الذاتية للسلطان أو نظامه، أو اللحاق بالآخر الغربي ذو الفتنة والدلال، بل بالاتجاه الآخر المستقبلي أي بما يحقق تحصين مصالح البلد ضمن الأمة، وبتحقيق دولة فلسطين شرط لا محيد عنه للسلام، فمصالح الأمة أولى من مصالح مؤبّدي المَظلَمَة.
إن أي حراك وطني فلسطيني يجب أن يُنظر له دومًا بإطار التوافق العربي العام، وما فكرة القرار الوطني الفلسطيني المستقل بهذا الاتجاه إلا بمفهوم التخصيص والتركيز والطليعية لأصحاب القضية في الفضاء المشترك، وبعيدًا عن الاستئثار المصلحي لهذا النظام أو المحور أوذاك. ومن هنا تتجسد فكرة “الجسد الواحد” التي يجب أن تُفهم في فلسطين كما يجب أن تفهم بالعراق والجزائر وكل أقطار المستقبل الواحد.
إن المشكلة الأكبر لفلسطين ليس في قادتها وفصائلها، وليست في سياسات منحرفة أو عقليات منجرفة، أوحزازيات فصائلية أومشاحنات إعلامية أوتصورات متضاربة أو الانجرار وراء محور مصلحي شرقًا أو غربًا، أو في شيخوخة وسوء تقدير وأحيانًا عمى، وكلها معضلات ومشاكل عويصة تحتاج لجهود وحلول بالطبع. وإنما المشكلة الأكبر في فلسطين هي القدرة على صناعة المستقبل، وهي قدرة لا تتأتى لكل قائد، وإنما تحتاج لرؤية وحُسن نظر، وفهم للمتغيرات العالمية الداهمة (الاتجاهات الكبرى) والمتغيرات الصغرى ما يجعل من طاقة السنوات العشر القادمة هي مجال النظر لدولة فلسطين، بعد التصدي لحل القضايا العاجلة أو الآنية التي وردت بوضوح في خماسية شعار جلسة المجلس المركزي للمنظمة، ونقطتنا السادسة.
عودة لجلسة المجلس المركزي الفلسطيني فهي في ظل المتغيرات الإسرائيلية المدمّرة على الأرض بغزة والضفة وللإنسان، وفي ظل تعملق الإرهاب والتطرف والعنصرية ضمن اليمين الديني الإسرائيلي قد تكون الجلسة الأخيرة أو ما قبل الأخيرة! وقد لا نستطيع معها عمل جلسة أخرى! لذا نقول أنه يجب أن تُفهم جلسته هذه في إطار الوعي بالمستقبل، وتجسيد الدولة، وإدراك حجم المتغيرات الداهمة بالسياقات المختلفة، وفي إطار السياسي والتاريخي والاقتصادي والمجتمعي والوطني بعيدًا عن الشخصانية القاتلة ما نحتاج معه لقيادات مستقبلية مشرقة وصاحبة أفق، تفهم وتعي وتقول بجرأة، وتقرر وتعزم على تحقيق النصر.