أصدر الرئيس محمود عباس مرسومًا رئاسيًا يقضي بتولّي نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مهام رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية، في حال شغور المنصب، لمدة تسعين يومًا قابلة للتجديد لمرة واحدة، مع إلغاء الإعلان الدستوري رقم (1) لسنة 2024.
يأتي هذا المرسوم في ظرفٍ سياسيٍ وقانونيٍ بالغ الحساسية، يمرّ به النظام السياسي الفلسطيني المثقل بالانقسام وتعطّل المؤسسات التشريعية منذ أكثر من سبعة عشر عاما ، ما يجعل أي فراغٍ في موقع الرئاسة تهديدًا مباشرًا لبقاء السلطة واستمرارها كمؤسسة وطنية وكيانٍ تمثيليٍ معترفٍ به دوليًا.
ومن هنا، يُقرأ المرسوم كخطوةٍ استباقيةٍ لضمان الانتقال المنظّم للسلطة ومنع الفراغ الدستوري، أكثر من كونه إجراءً شكليًا أو إداريًا.
من الناحية القانونية، يُعد المرسوم تطبيقًا لمبدأ فقه الضرورة الدستورية، الذي يجيز لرئيس الدولة إصدار تنظيماتٍ استثنائيةٍ لحماية المصلحة العامة عند تعذّر تطبيق النصوص الأصلية. فالقانون الأساسي الفلسطيني لعام 2003 نصّ على أن رئيس المجلس التشريعي يتولى مهام الرئاسة مؤقتًا في حال الشغور، إلا أن تعطّل المجلس منذ عام 2007 جعل هذا النص غير قابل للتطبيق الواقعي.
ومن ثمّ، جاء المرسوم لينقل المرجعية المؤقتة إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بوصفها الإطار الأعلى للشرعية الوطنية وممثل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.
أما سياسيًا، فإن المرسوم يحمل أبعادًا أبعد من الترتيب المؤقت؛ فهو يسعى إلى توحيد المرجعية الوطنية بين المنظمة والسلطة، وإعادة تثبيت موقع منظمة التحرير كمركز القرار السياسي والتمثيلي الأعلى، بعد أن تباعدت المسافات بين المؤسستين خلال سنوات الانقسام. كما يوجّه رسالةً إلى الداخل الفلسطيني وإلى المجتمع الدولي بأن القيادة الفلسطينية تدير شؤونها المؤسسية بوعيٍ وتنظيمٍ يحول دون الفوضى والانقسام، ويؤكد أن استمرارية النظام السياسي الفلسطيني محمية بقراراتٍ دستوريةٍ لا بترتيباتٍ شخصية.
إن عدم ذكر المرسوم لأسماءٍ محددة يعكس نزعة مؤسساتية واضحة، تضع المنصب في إطار الوظيفة لا الفرد، وتعطي الأولوية لبنية النظام على حساب الأشخاص، وهو تطور لافت في المشهد السياسي الفلسطيني، يعزز فكرة الدولة والمؤسسة على حساب الزعامات الفردية.
وبتحديد المدة بتسعين يومًا قابلة للتجديد لمرة واحدة، يؤكد المرسوم أن هذا الترتيب انتقالي ومؤقت، هدفه الحفاظ على تماسك النظام السياسي وإتاحة المجال لتهيئة الظروف نحو انتخاباتٍ عامةٍ وتجديدٍ شرعيٍ شامل، لا لتكريس الأمر الواقع.
إن هذا المرسوم يعبّر عن إرادةٍ وطنيةٍ لتفادي الفراغ والفوضى، وإعادة بناء الثقة في مؤسسات الشرعية الفلسطينية، وتثبيت فكرة أن بقاء الكيان السياسي الفلسطيني مرهونٌ بقدرة مؤسساته على الاستمرارية والتنظيم، لا بالظروف أو الأشخاص.
فهو بذلك يشكّل خطوةً ضروريةً في مسار حماية النظام السياسي، وصون الهوية الوطنية من التآكل والانقسام.
د. عبدالرحيم جاموس






