المستقبل..«صُنع في أميركا بالشراكة مع الصين»

توماس فريدمان

كان لديّ فرصة في شنغهاي لزيارة المركز البحثي الضخم الجديد، الذي تبلغ مساحته ما يعادل 225 ملعب كرة قدم، والذي أنشأته شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة هواوي.
لقد كان المكان آسراً ومثيراً للإعجاب، لكنه كان في النهاية مقلقاً للغاية، إذ كان تأكيداً حياً لما قاله لي رجل أعمال أميركي يعمل في الصين منذ عقود أثناء وجودي في بكين: «كان هناك وقت يذهب فيه الناس إلى أميركا لرؤية المستقبل، أما الآن فهم يأتون إلى هنا».
لم أرَ شيئاً مثل هذا الحرم الجامعي التابع لهواوي من قبل. لقد تم بناؤه في غضون ثلاث سنوات فقط، ويتألف من 104 مبانٍ مصممة بشكل فردي، مع حدائق مشذبة، ويربطها قطار أحادي يشبه قطارات ديزني، ويضم مختبرات تتسع لما يصل إلى 35 ألف عالم ومهندس وعامل، بالإضافة إلى 100 مقهى، ومراكز لياقة بدنية، وغيرها من المزايا المصممة لجذب أفضل التقنيين الصينيين والأجانب.
يعد مجمع الأبحاث «ليانكيو ليك» بمثابة رد هواوي على محاولة الولايات المتحدة خنقها منذ عام 2019، من خلال تقييد تصدير التكنولوجيا الأميركية، بما في ذلك أشباه الموصلات إلى الشركة، بسبب مخاوف أمنية وطنية. لقد تسبّبت العقوبات في خسائر هائلة لهواوي، لكن بدعم من الحكومة الصينية، سعت الشركة إلى الابتكار للتغلب على هذه القيود. وكما ذكرت صحيفة «مايل بيزنس» الكورية الجنوبية العام الماضي، فقد نجحت في ذلك:
«أدهشت هواوي العالم بإطلاق سلسلة هواتف «ميت 60» المزودة بأشباه موصلات متقدمة في العام الماضي، على الرغم من العقوبات الأميركية». ثم تبعتها بهاتف ذكي قابل للطي ثلاث مرات هو الأول من نوعه في العالم، كما أطلقت نظام التشغيل الخاص بها «هونجمين» (هارموني) لمنافسة أنظمة أبل وجوجل.
ودخلت الشركة أيضاً في مجال تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي لكل شيء، بدءاً من السيارات الكهربائية والمركبات ذاتية القيادة، وصولاً إلى معدات التعدين المستقلة، التي يمكن أن تحل محل العمال البشريين. وقال مسؤولو هواوي إنه في عام 2024 وحده، قامت الشركة بتركيب 100 ألف شاحن سريع للسيارات الكهربائية في جميع أنحاء الصين، في المقابل، خصّص الكونجرس الأميركي في عام 2021 مبلغ 7.5 مليار دولار لإنشاء شبكة محطات شحن، ولكن بحلول نوفمبر من العام الماضي، لم يكن هناك سوى 214 محطة شحن عاملة في 12 ولاية فقط.
إنه لأمر مرعب أن نشاهد هذا عن قرب. تركز الصين على تحويل مصانعها عبر الذكاء الاصطناعي لتتفوق على جميع مصانعنا. تتمثل استراتيجية «يوم التحرير» لترامب في مضاعفة الرسوم الجمركية، أما استراتيجية التحرير الصينية، فهي بناء المزيد من مراكز الأبحاث وتعزيز الابتكار القائم على الذكاء الاصطناعي لتتحرر بشكل دائم من رسوم ترامب الجمركية.
رسالة الصين إلى الولايات المتحدة: نحن لا نخاف منكم. أنتم لستم ما تظنون أنفسكم عليه-ونحن لسنا ما تظنون أننا عليه.
أنا أفضّل التعبير عن وطنيّتي من خلال الصراحة المطلقة بشأن نقاط ضعفنا وقوّتنا، ونقاط ضعف وقوّة الصين، ولماذا أعتقد أن أفضل مستقبل لكلا البلدين – على أعتاب ثورة الذكاء الاصطناعي – هو اتباع استراتيجية تُسمى: «صُنع في أميركا بأيدي العمال الأميركيين بالشراكة مع رأس المال والتكنولوجيا الصينية». دعوني أشرح.
ما يجعل آلة التصنيع الصينية بهذه القوة اليوم ليس فقط أنها تصنع الأشياء بسعر أرخص، بل تصنعها أيضاً بشكل أسرع، وأفضل، وأذكى، وبشكل متزايد معززة بالذكاء الاصطناعي.
تبدأ الصين بتركيز كبير على التعليم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM). فكل عام، تُخرّج البلاد حوالي 3.5 مليون طالب في هذه المجالات، وهو عدد يعادل تقريباً مجموع جميع الخريجين في كافة التخصّصات – على مستوى الدبلوم والبكالوريوس والماجستير والدكتوراه – في الولايات المتحدة.
«الصين لديها 39 جامعة تُدرّب مهندسين وباحثين في صناعة المعادن النادرة، في حين أن الجامعات في الولايات المتحدة وأوروبا تقدم فقط دورات متفرقة في هذا المجال». ورغم أن العديد من المهندسين الصينيين قد لا يكونون جميعاً بمستوى خريجي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، فإن أفضلهم يتمتعون بمستوى عالمي، وهناك عدد كبير منهم. فعندما تكون موهبة «واحد في المليون» في الصين، فهذا يعني أن هناك 1400 شخص آخرون مثلك تماماً.
وبالمثل، تخرّج المدارس المهنية الصينية عشرات الآلاف من الكهربائيين، واللحامين، والنجارين، والميكانيكيين، والسباكين كل عام، لذلك عندما يريد شخص ما إنشاء مصنع جديد لمنتج مبتكر، يمكن بناؤه بسرعة كبيرة سيكون لديه هذا الطلب جاهزاً لك بحلول الغد. كما سيتم توصيله بسرعة أيضاً. فهناك أكثر من 550 مدينة صينية متصلة بشبكة السكك الحديدية عالية السرعة، والتي تجعل قطار «أمتراك أكسيلا» الأميركي يبدو وكأنه قطار اللعبة «بوني إكسبرس».
لا يمكنك فرض تعريفات لتحقيق الازدهار، خاصة ونحن على أعتاب عصر الذكاء الاصطناعي. وعلى الرغم من كل نقاط القوة التي تمتلكها الصين، فإنها لا تريد حرباً تجارية مع الولايات المتحدة.
من وجهة نظري، فإن الصفقة الوحيدة التي تحقق فوزاً للطرفين هي تلك التي يمكن أن أسميها: «صنع في أميركا، بأيدي العمال الأميركيين، وبالشراكة مع التكنولوجيا الصينية، ورأس المال والخبراء الصينيين». أي أننا نعكس الاستراتيجية التي استخدمتها الصين للثراء في التسعينيات، والتي كانت: «صنع في الصين، بأيدي العمال الصينيين، وبالتعاون مع التكنولوجيا، ورأس المال، والشركاء من الولايات المتحدة، وأوروبا، وكوريا، واليابان».
*كاتب أميركي.

الاتحاد الاماراتية

مواضيع قد تهمك