المعرفة… نعمة أم نقمة؟…

د. كريمة الشامي الجزائري

سؤال يتردد في ذهني كلما جلست مع نفسي على ضفاف الصمت.
هل الوعي سكينة، أم هو بابٌ مفتوح على جحيم الإدراك؟
هل المعرفة تعينك على النجاة، أم تثقل قلبك بما كان الجهل عنه أرحم؟
يقول دوستويفسكي:
“إن الإنسان السعيد هو الذي لا يعرف الكثير.”
وفي هذا القول حكاية أزلية… فكلما ازداد الإنسان علمًا، ازدادت مساحاته الداكنة.
تدرك أن ما كنت تعدّه يومًا بسيطًا، يخفي خلفه طبقات معقّدة من الدوافع والحيل النفسية.
تفهم الوجوه، فتنكشف لك الأقنعة.
تقرأ تصرفات البشر، فتبهت الألوان الزاهية، ويظهر باطن الأشياء.
في علم النفس، يقولون:
“الإدراك العالي يرفع من حدة الحساسية النفسية.”
أي أنك كلما كنت أكثر وعيًا بتفاصيل الحياة وأسرار النفوس، صرت أكثر تأثرًا بها… فتفقد لذة العفوية، وتصبح أكثر ميلًا لتحليل ما كان بسيطًا.
وهنا، يُصبح الوعي عبئًا، لا نعمة.
لكن، وفي ذات الوقت، المعرفة سلاحٌ نبيل…
هي التي تمنحك مناعة ضد الخداع، ودرعًا من سذاجة العاطفة، وسُلَّمًا تصعد به فوق تفاهات الحياة.
هي التي تجعلك تختار مع من تقف، وما الذي يستحق حزنك، وما يجب أن تتركه خلفك دون أسف.
وأنا؟
أقول:
المعرفة نعمة إن وضعتها في موضعها…
ونقمة حين تسرف بها على قلبك.
نصيحتي لكل من يقرأني:
تعلم… اقرأ… افهم… لكن لا تحمّل قلبك فوق طاقته.
أبقِ مساحات من الجهل الجميل…
جهل التفاصيل التي لا تضيف لحياتك إلا تعبًا، وجهل الأشخاص الذين لا يستحقون منك عناء التحليل.
كن حكيمًا… لا عالمًا متعبًا.
واذكروا قول الشاعر:
“ربَّ علمٍ أورث صاحبه وجعًا.”
أحببت أن أترككم اليوم بهذه الخاطرة…
فالوعي وحده لا يكفي ليمنحك راحة… بل أحيانًا، الجهل بعض سلام.
دمتم بخير وسكينة…