المغرب والجزائر في الساحل: حرب الجيوش الخفية ومفاتيح تفجير النظام الإقليمي

بن معمر الحاج عيسى

في قلب العاصفة الجيوسياسية التي تهب على منطقة الساحل، تتصاعد حرب الظل بين المغرب والجزائر إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تحول اللقاء الملكي الأخير مع وزراء خارجية بوركينا فاسو ومالي والنيجر إلى جولة جديدة في سباق التسلح الاقتصادي الذي يُعيد تعريف تحالفات القارة الإفريقية. فبينما تطرح الرباط نفسها كـ”منقذ اقتصادي” عبر مشاريع الوصول إلى المحيط الأطلسي وصفقات البنية التحتية المربوطة بشروط الاعتراف بسيادتها على الصحراء، تُحاول الجزائر تفكيك هذا النموذج عبر أدوات القوة الناعمة والصلبة، من دبلوماسية الطاقة إلى حرب المعلومات، في معركة وجودية تُحدد مصير الهيمنة الإقليمية.

تشير الوقائع إلى أن المغرب يعتمد على ثلاثية “الفساد-الابتزاز-التبعية” لاختراق دول الساحل، حيث تُحوّل الأزمات الاقتصادية والأمنية إلى فرص لربط النخب الحاكمة بشبكة مصالح مالية شخصية عبر قروض مشروطة وصفقات استثمارية وهمية، بينما تُقدم الجزائر رؤية بديلة قائمة على التضامن الإفريقي عبر مبادرات مثل الطريق الساحلي العابر للصحراء (Trans-Sahelian Highway) واتفاقيات إمدادات الغاز المخفضة التكلفة، مع تسليح جيوش المنطقة بأحدث المعدات العسكرية دون شروط سياسية. هذا التناقض في النهج يخلق صراعًا بين نموذجين: الأول يعيد إنتاج الاستعمار الجديد عبر اقتصاد الريع، والثاني يحاول إنقاذ مبادئ السيادة الإفريقية المهدورة.

السيناريو الأكثر خطورة يكمن في تحالف المغرب غير المعلن مع القوى الدولية القديمة والجديدة، حيث تُشير التسريبات إلى تعاون ثلاثي الأبعاد يجمع الرباط بباريس وتل أبيب في مجالات المراقبة الأمنية والتجسس الإلكتروني، بينما تدفع الجزائر باتجاه شراكات استراتيجية مع موسكو وأنقرة لتعويض التراجع الغربي، عبر مشاريع استثمارية في الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي تُنافس النفوذ الفرنسي-الإسرائيلي. في هذا السياق، تتحول دول الساحل إلى ساحة لـ”حرب بالوكالة” تُدار عبر مليشيات مسلحة وصراعات عرقية مُفتعلة، حيث تُتهم المخابرات المغربية بتمويل جماعات إرهابية في مالي ونيجر لخلق ذرائع للتدخل الأمني، بينما تُحاول الجزائر كشف هذه الألعاب عبر تسريبات إعلامية مدروسة تفضح شبكات الفساد المُشتركة.

على الأرض، تُحكم الرباط قبضتها على 85% من استثماراتها الإفريقية في الساحل عبر عقود سرية تربط الاعتراف بالصحراء بمنح القروض، بينما تخسر الجزائر نحو 40% من استثماراتها الخارجية بسبب أزمة الطاقة العالمية، مما يدفعها لابتكار آليات غير تقليدية مثل “القرض التنموي غير المشروط” الموجه لدعم المشاريع الصغيرة وخلق طبقة أعمال محلية مستقلة عن النخب الفاسدة. المفارقة أن كلا البلدين يُديران الصراع بلغة الأرقام بينما تتهاوى شعوب الساحل تحت وطأة الفقر والصراعات المسلحة، حيث تُحول الأموال الدولية المخصصة لمكافحة الإرهاب إلى قنوات سرية لتمويل صفقات الأسلحة الوهمية وعقود البنية التحتية الورقية.

في الخلفية، تُشكل الحرب الإعلامية سلاحًا حاسمًا، فبينما تُروج الرباط لسردية “الاستقرار عبر التنمية” تُعرض الجزائر وثائق مسربة عن صفقات سرية تثبت تورط مسؤولين مغاربة في عمليات غسيل أموال مرتبطة بتمويل الجماعات المسلحة، مع إطلاق منصات إعلامية بلغات محلية لتجاوز النخب الحاكمة والوصول مباشرة إلى الرأي العام الإفريقي. السؤال المصيري الذي يُعلق مصير المنطقة على إجابته: هل ستنجح الجزائر في تحويل أزمات الساحل إلى فرصة لـ”ثورة تحالفات” تعيد الاعتبار لمبادئ التضامن الإفريقي، أم أن شمس المغرب ستحرق أحلام التحرر بقوة النار المالية وقذائف الدبلوماسية المشروطة؟ المعركة تدور، والخاسر الأكبر دائمًا هو الشعوب التي تُدفع ثمن حروب النخب دون أن تذوق طعم التنمية الحقيقية.