إن لم تصل هذه المرة القضية الفلسطينية إلى حل نهائي للإشكال الذي طال أمده، وبقي جزء من الشعب الفلسطيني يعيش في الملاجئ ومخيمات المهجرين فيعني هذا أن الدم الذي سُفك والبناء الذي هُدم والتهجير الذي تم في عام 2023 قد ذهب دون فائدة أو ثمن تماماً كحال شلالات الدماء والأشلاء وتدمير البناء الذي صاحب قضية الفرص الضائعة منذ يومها الأول قبل قرن من الزمن، وبقاء إشكال مسكوت عنه مصاحب وهو أن القيادة الفلسطينية التي تفاوض ستخسر السلطة المطلقة والثروات الطائلة، فيما لو حُلَّت القضية ضمن معادلة إما أن يكسب الشعب والقضية الفلسطينية وتخسر القيادة وإما تكسب القيادة ويخسر الشعب والقضية وهو السبب الحقيقي للاخفاق الدائم ولرفض مشروع الدولتين للجنة بيل الملكية عام 37 وتقسيم U.N عام 47 ومشروع بورقيبة عام 65 والقرار 242 عام 67 وكامب ديفيد عام 2000 وصفقة القرن 2020 وأي حلول قادمة ما لم نأتِ بمعادلة جديدة وخارطة طريق مختلفة توصلنا هذه المرة لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني للأبد..
***
إن الأمل الوحيد لرفع معاناة الأشقاء الفلسطينيين والوصول لحل الدولتين يمر أولا بتوحيد القرار الفلسطيني، فلن نخدع العالم أو الطرف الآخر بازدواجية طرف يتحدث عن السلام وطرف آخر يدعو للحرب والتحرير من النهر إلى البحر ورفض كل مشاريع التسوية وإبقاء قرار الحرب والسلام بيده سواء شارك بالحكم أو بقي خارجه، وعليه فالحل يتطلب إشراك دول عربية (وحتى اسلامية وازنة) كحال السعودية ومصر وقطر والأردن والمغرب في أي مباحثات قادمة للسلام وهو ما يقوي الموقف العربي والفلسطيني ويبرر للشعب الإسرائيلي أي تنازلات تقدمها قيادته السياسية المفاوضة، كما سيكون للعرب ما يقدمونه لقاء استرجاع الأراضي الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية عليها من سلام حقيقي دائم لإسرائيل والمكاسب الاقتصادية الضخمة لها وللعرب وللمنطقة جمعاء من الأخذ بخيار السلام الاستراتيجي بين مكوناتها تماما كما حدث في أوروبا بعد عام 1945 ومن ثم يبدأ الحديث عن مشروع أوروبا الجديدة في منطقة الشرق الأوسط المؤهلة متى ما تعاون الجميع على نهضتها واستبدلوا الكراهية بالتعاون والحروب بالسلام لأن تكون إحدى أكثر مناطق العالم ازدهاراً بدلاً من واقع البؤس واليأس والدمار الناتج عن الحروب التي لم تتوقف منذ مئة عام..
***
آخر محطة:
مع ذلك الحل ستتوقف كذلك معادلة ظالمة وغير منطقية أخرى مضمونها ما يحدث في كل مرة من انفراد قيادة القضية عبر الشعارات والإعلام الكاذب بحصد مغانم القرارات الرافضة الخاطئة لكل الحلول من ادعاء التضحية والبطولة وتحويل الهزائم المنكرة الى انتصارات باهرة، وينفرد العرب شعوباً وقيادات رغم التضحيات الكبرى بالغرم، حيث يتم شتمهم لعدم دعمهم لقرارات خاطئة لم يستشاروا بها، وفوقها دفع المليارات من ثرواتهم الناضبة لإعمار ما سيتم هدمه خلال سنوات قليلة مادام هناك ما يكسب المليارات من قرارات التشدد والحرب والضرب ويدفع الشعب الفلسطيني ومعه الشعوب العربية الأثمان.
* نقلا عن ” النهار”