المنطقة بين التفاوض العبثي والجمود السياسي

حميد قرمان
حميد قرمان *

لا تلوح في الأفق أيّ مؤشرات تدعو إلى التفاؤل في مسار المفاوضات الدائرة حاليًا في العاصمة المصرية القاهرة. فقد استطاع بنيامين نتنياهو، قائد منظومة اليمين المتطرف الإسرائيلي، تقزيم المسار التفاوضي كنهج وهدف لهذه المنظومة الساعية لتفريغ الحرب من محتواها السياسي، من خلال التجاوب بشكل سطحي مع ضغوط إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، خاصة في ما يتعلق بمحور فيلادلفيا؛ من المطالبة بالانسحاب الكامل من المحور إلى انسحاب جزئي من بعض المواقع في المحور.

إسرائيل بمنظومتها اليمينية المتطرفة تسعى لتكريس المماطلة بالحرب من خلال جولات تفاوض تتسم بالعبثية السياسية، مدها وجزرها شهور عديدة للوصول إلى الفائز بالانتخابات الرئاسية الأميركية. فالحسابات المتشابكة جعلت تعنت اليمين الإسرائيلي في أوجه، وجعلت في المقابل طرف المفاوضات الآخر لا يملك أوراقًا ضاغطة حقيقية تأخذ المفاوضات ومساقاتها إلى منحى الجدية الملزم لفرض وقف الحرب، خاصة بعد فشل ما سمّي بوحدة الجبهات لمحور إيران في المنطقة، وانهيار حسابات حماس القائمة على رحيل حكومة بنيامين نتنياهو.

 اليوم، حماس المهزومة تجد صعوبة في إعادة ترتيب بيتها الداخلي الممزق نتيجة الاغتيالات التي ضربت عصب الحركة النشط، مما يتجه بسلوكها التفاوضي لقبول المماطلة الإسرائيلية خوفًا من استحقاقات المرحلة القادمة، والتي أصبحت أكثر إلحاحًا، وتصب جميعها في الوضع الإنساني في القطاع وتحديدًا ملف إعادة الإعمار، وهو ما سيستهلك من رصيد حماس داخل القطاع، حيث لن تستطيع ترويض هذا الغضب أو لجمه أو التعامل مع موجاته. لذلك تذهب الحركة إلى عدم قبول الصيغ المطروحة بين إدارة الرئيس بايدن وحكومة نتنياهو والوسطاء، بحثًا عن إنجاز مّا تسوّقه أمام الشعب الفلسطيني في القطاع، خاصة وأن موقف الحركة مقترن بالفلك الإيراني؛ الذي لا يزال يطرح مقاربات بعيدة عن الواقعية التي ستنهي الحرب أو حالة التصعيد المستمرة. فمنسوب التهديد والوعيد من قبل مسؤولي طهران ما زال مرتفعًا دون تأثير على مسارات الحرب والتفاوض التي يتحكم بها نتنياهو وسياسات منظومته اليمينية، الباقية على سدة الحكم داخل تل أبيب.

الشرق الأوسط أمام معضلة حقيقية، وهي الجمود السياسي إلى حين انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة، جمود قائم على عوامل عديدة؛ تعنت بنيامين نتنياهو، وقلق حماس من استحقاقات المرحلة المقبلة، وعدم وضوح الموقف الإيراني الذاهب للحفاظ على مصالحه فقط مهما سالت الدماء. جمود يُبقي المنطقة تراوح مكانها على حافة دائرة الحرب الإقليمية. فواقع المنطقة لا يتطلب التعويل على خيار الرد الإيراني أو حتى انتظاره، بل الذهاب بخيار سياسي ودبلوماسي متوازن حقيقي قائم على مقاربات جديدة تجبر إسرائيل على وقف حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني.

  • صحافي وكاتب سياسي
  • نقلا عن صحيفة العرب

شاهد أيضاً