هناك حاجة أن نبدأ النقاش من حقيقة أن الهدف الأهم للشعب الفلسطيني في هذه المرحلة هو وقف حرب الابادة الوحشية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، والمستمرة بضراوة منذ أكثر من عام وثلاثة اشهر.
وقف آلة الحرب الإسرائيلية كان ممكنا قبل هذا الوقت بكثير، وألا يبقى أهل قطاع غزة تحت وطأة الخوف من الموت والقصف المكثف والدمار والنزوح المتكرر وفقدان الممتلكات. كل ذلك كان من المفترض أن يتوقف، وان تتوقف الحرب، لولا إصرار حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل على مواصلتها، وإصرار حماس على تمرير الوقت بهدف ان تبقى في المشهد، وتراهن على إمكانية بقاء سيطرتها على قطاع غزة، وخلال هذا وذاك قتل عشرات الآلاف وجرح اضعافهم واستكملت سرائيل هذا الوقت الضائع تدميرها لكل شيء في القطاع، وبهذا المعنى كان لكل الطرفين مصلحة في إطالة أمد الحرب ومن دفع الثمن الباهض هو الشعب الفلسطيني في غزة.
وقبل أي نقاش يتعلق بالاتفاق المنوي التوصل اليه، لا بد من تناول الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب الفلسطيني نتيجة لمغامرة الطوفان، التي قامت بها حماس، وجلبت في المحصلة نكبة اكثر بشاعة وخطورة من نكبة العام 1948.
وتشير أرقام هذه النكبة إلى ان اكثر من 60 ألف مواطن استشهدوا وأكثر من 130 ألف جرحوا، منهم عدة آلاف من اصبحوا معاقين وتحولوا الى اصحاب احتياجات خاصة.
وبما يتعلق بالدمار تكفي الاشارة إلى رقم متفق عليه دوليا بأن 80% من العمران والبنى التحتية في قطاع غزة قد دمر كليا او جزئيا، ومن ضمنها مدارس وجامعات ومستشفيات ومؤسسات ومصالح اقتصادية.
ومن يريد مناقشة الاتفاق المسرب، عليه ألا يغفل حجم دمار المقدرات، والأبعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وعليه ألا يغفل ان غزة قد أصبحت تحت الاحتلال الإسرائيلي من جديد، وان جهودا كبيرة تتركز اليوم من أجل إنهاء هذا الاحتلال بشكل تام ومن كل شبر من القطاع. كما على المتابع إدراك كم من الوقت، وكم من السنوات، بل والعقود التي تحتاجها عملية إعادة الاعمار، ليعود قطاع غزة كما كان وأن يصبح صالحا للحياة.
اما بخصوص الاتفاق، هناك حاجة لملاحظة كيف تنظر اليه الأطراف المنخرطة، فعلى سبيل المثال، بالنسبة لحكومة نتنياهو فالموضوع كله يتعلق فقط بإعادة المحتجزين الإسرائيليين الأحياء منهم والاموات، وبالنسبة للولات المتحدة، فإن ما يعنيها فقط هو إعادة جميع المحتجزين المشار إليهم، لذلك فإن الشيء الأكثر وضوحا في الاتفاق هو كيف سيعود هؤلاء إلى إسرائيل، ما عدا ذلك فالأمور غير واضحة بما يكفي. والغموض يتعلق بالسؤال: هل نحن بصدد وقف للحرب أم وقف للعمليات العسكرية فقط؟ وبين هذا وذاك فارق كبير جدا، وبما يتعلق بالأسرى الفلسطينيين، هناك من أعيد اعتقالهم من صفقة شاليط، وهناك من سيبعدون إلى الخارج من أصحاب الأحكام العالية، ومعظم ما تبقى هم ممن أسروا خلال الحرب، خصوصا من أسرى قطاع غزة، والأهم انه لا ضمانة مؤكدة انه لن يعاد اعتقالهم تحت حجج مختلفة.
والأخطر فإن الاتفاق تمت صياغته بشكل مضلل ومخادع، لكي يوحي بأن حماس قد حققت مكاسب مقابل تخليها عن آخر أوراقها، وأبرز هذه الصياغات المخادعة جاءت بخصوص ثلاث قضايا، اولها مسألة إعادة الاعمار، فقد صيغ الاتفاق بخصوص هذه المسألة الحيوية والمهمة جدا بشكل وكأن الناس سذج، او كأن ما تدمر هو بضع بنايات أو حارة وان عملية إعادة الإعمار لا تستغرق وقتا ولا تحتاج إلى مال كثير او إلى آلية ومؤسسة وطنية خاصة.
اما القضية الثانية فهي عندما يتناول الاتفاق قضية إزالة الركام، متجاهلين ان عملية إزالة الركام وحده تحتاج إلى سنوات وليس إلى أسابيع كما يوحي الاتفاق، ويتكرر الحديث ذاته حول البنى التحتية من شبكات مياه وكهرباء وطرق، التي دمرت تدميرا شبه كامل. هناك استخفاف بعقل الشعب الفلسطيني، وعملية خداع لا هدف منها سوى سحب الورقة الأخيرة من يد حماس ألا وهي المحتجزون.
كما لم يوضح الاتفاق ما هو المصير النهائي لمعبر رفح، ولم يوضح ان كان جيش الاحتلال سوف ينسحب من المعبر بشكل تام أم ماذا؟
كل هذا الغموض وهذا الخداع لا يعني سوى شيء واحد وحيد هو ان دولة الاحتلال تريد استعادة محتجزيها، دون اي التزام حقيقي بأي شيء. أما بالنسبة لحماس، فإنها بحاجة للعودة للتضليل كي تسلم آخر أوراقها، فهي بحاجة لنصوص مخادعة مضللة كي تسوق بدورها الخداع على الشعب الفلسطيني وكأنها حققت إنجازات كبيرة، في محاولة منها للتغطية على “طوفانها” الذي لم يجلب للشعب الفلسطيني سوى الشر والقتل والدمار، جلبت حرب الابادة الهمحية، التي حولت قطاع غزة إلى منطقة غير صالحة للحياة.