الوطنية الفلسطينية.. الإنجاز الأهم لعرفات وفتح

باسم برهوم

بعد نكبة العام 1948، وجد الشعب الفلسطيني نفسه بلا وطن، وإن فلسطين قد ازيلت عن خارطة العالم، وجد الشعب الفلسطيني نفسه مشردا ممزقا على جغرافيا واسعة، وفي ظل أنظمة حكم متعددة، يواجه خطر طمس الهوية والانصهار. كان المخطط المعد له ليذوب بين الشعوب الأخرى، وكل ما كان لدى الفلسطيني ذكريات مهشمة، وبعض رمزيات المكان، مفتاح البيت الذي شرد منه، صور قليلة ونادرة لحياة كانت هناك في المدينة، في القرية في فلسطين.

وفي تلك الحقبة القاسية، انخرط كثير من الشباب الفلسطينيين، في احزاب البلاد التي شرد اليها، احزاب قومية ووطنية محلية، احزاب يسارية شيوعية، وأخرى من الاسلام السياسي، وكان الاعتقاد لدى ذلك الجيل، ان هذه الاحزاب قد تقربهم من التحرير والعودة للوطن.

مجموعة عبقرية من الشباب كانوا يبحثون عن بديل وطني فلسطيني. وادركوا مبكرا ان إعادة إحياء الوطنية الفلسطينية هو الاساس، لانها نقطة البداية لإعادة توحيد الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وهي البداية لتحصين وتعزيز الهوية الوطنية، وعدم السماح لهذه الهوية بالذوبان بهويات أخرى.

هذه المجموعة العبقرية هي التي اسست حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” في نهاية خمسينيات القرن العشرين، أي بعد عقد من النكبة، وكانت هناك عشرات المحاولات التي كانت تجري بالتزامن مع تأسيس فتح، وظهرت مجموعات هنا وهناك، الا ان القادة الذين اسسوا فتح كانوا اكثر تصميما ووضوحا في مسألة الهوية واستقلالية القرار.

وقد يكون السر ايضا في تكاملية هذه القيادة التي برز فيها ياسر عرفات “ابو عمار” كشخص يصر على الهوية الوطنية للتنظيم، وإلى جانبه خليل الوزير “ابو جهاد”، وصلاح خلف “ابو إياد “ومحمود عباس “ابو مازن” والقادة الآخرين كمال عدوان، خالد الحسن وغيرهم، ولاحظ هؤلاء ان الأهداف بالضرورة تكون وطنية تتعلق بفلسطين وشعب فلسطين، وألا تتداخل اجندتهم الوطنية بأي اجندة أخرى الا من زاوية الانتماء للأمة العربية. والأهم ان هذه المجموعة العبقرية بقيادة ابو عمار اكتشفت ان نجاحها وقدرتها على تحقيق هذه الأهداف الوطنية لن يتحقق إلا عبر تحرير إرادة الشعب الفلسطيني من اية وصاية، وان المدخل لكل ذلك هو ان يعتمد الشعب الفلسطيني على نفسه ويمتلك قراره الوطني المستقل، وان لا يكون هذا القرار رهنا بأي إرادة أخرى او اجندة وحسابات لقوى ودول اخرى.

لم يكن تحقيق ذاك سهلا، فالأطراف التي لا تريد أن ترى إعادة احياء الوطنية الفلسطينية كانت كثيرة وقوية ومتعددة الاهداف، وفي مقدمتها الصهيونية العالمية، التي من ابرز اهدافها محاولة شطب وجود الشعب الفلسطيني والاستيلاء على أرض وطنه التاريخي، مسيرة ابو عمار ومسيرة فتح لإحياء الوطنية الفلسطينية وتعزيز الهوية كانت مسيرة ملحمية، فقد الآلاف من الفلسطينيين أرواحهم من أجلها وخاضت الثورة الفلسطينية المعارك من اجل تأصيلها في وجدان الشعب الفلسطيني اولا، ومن ثم ان يتم الاعتراف بها كشخصية مستقلة لها وطنها الخاص بها في الاقليم والعالم. وبالنظر لأهمية هذه المسألة وحتى يومنا هذا تخوض القيادة الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس “ابو مازن” نضالا مريرا من اجل حماية الوطنية الفلسطينية، خصوصا ان قوى من الداخل الفلسطيني ومن خارجه تعمل بكل الوسائل لإعادة الإرادة الوطنية إلى عهد الوصاية، وتسليم مصير القضية الفلسطينية وقرارها الى أطراف إقليمية.

وفي العقدين الأخيرين، كان التصدي للانقسام، وسيطرة حماس على قطاع غزة هو جزء من هذه المعركة، وقد أظهرت التطورات منذ السابع من أكتوبر العام الماضي ان فتح وقيادتها كانت على حق عندما كانت تحذر من رهن القرار الفلسطيني لأجندات خارجية وربط القضية الفلسطينية في إطار مصالح وحسابات غير وطنية.

ونتيجة لماكينات التضليل الإعلامي والسياسي الموجهة إلى المواطن الفلسطيني، فإن جزءا كبيرا من الجيل الراهن قد لا يدرك أهمية ان يمتلك الشعب الفلسطيني إرادته الحرة وان يمتلك قراره الوطني، وما على هذا الجيل سوى العودة لاسباب حدوث نكبة العام 1948 بهذا الشكل المفجع والكارثي، لتكتشف ان احد اهم أسباب ذلك هو تفريط القيادة الفلسطينية آنذاك بقرارها الوطني.

الوطنية الفلسطينية هي مفتاح كل شيء، ومن ابرزها مفتاح الوحدة الوطنية، فأي وحدة لا تتم على أساس وطني فلسطيني لن يكتب لها النحاح، والدليل ان كل محاولات إقناع حماس لهذه الوحدة قد فشلت، والسبب ان منطلقات حماس وعقيدتها ليست وطنية، وإنما هي مرتبطة بالتنظيم الدولي لجماعة الاخوان المسلمين. والوطنية الفلسطينية هي البوصلة وهي التي تقود الشعب الفلسطيني الى اهدافه الوطنية بوضوح ومن دون أي تداخل او ضبابية مع اهداف أخرى تأخذ النضال الوطني الى متاهات وتضحيات لا ضرورة لها.

ياسر عرفات وبعد عشرين عاما على رحيله، لا يزال يحمل لقب ابو الوطنية الفلسطينية وهو كذلك مع كافة القادة المؤسسين لفتح، وهذه الاخيرة لا تزال هي المعبّر الحقيقي عن هذه الوطنية.

شاهد أيضاً