الوطن للاحياء لا مقبرة للاموات

لؤي ديب

نصف طبيب يُفقدك صحتك …نصف إمام يُفقدك إيمانك .. نصف سياسي يُفقدك وطن .. ونصف مغامر ينتزع جُذورك الممتدة في الأرض ، فما بالك بعُشر كُتلة في كل شيء قيادتها تخلق الأعذار لتبتعد عن الواقع وقاعدتها تخلق الوهم لتبقي !
لحم الإنسان لا يُؤكل ، وجلده لا يُلبس ، فماذا فيه عدا ذلك غير حلاوة العقل ؟ ، وقد استوطنتنا عقول شرخت الشعب الفلسطيني الي نصفين و منّ يتردد بین مسجدين يرجع دون صلاة .
كانت خطتنا الجمعية وعهدنا الوطني أن نشيب معاً لا ان نُشيب بعضنا البعض ، فما أشد ما فعلته بنا حماس ومنّ يتبعها من تنظيمات ومنّ يقف خلفها بماله وآلته الاعلامية عندما زرعت في الشعب الفلسطيني الحيّرة بين ما يُريد وما يستطيع .
كانت ( اسرائيل ) منذ قيامها على انقاض نكبتنا تُمارس ( عنصرية ) واضحة يتخللها شحطات اجرام بحق الشعب الفلسطيني ، وساهم التطرف في معاداة المنطق والواقع لدينا في نقل المجتمع الصهيوني من العنصرية الي ( الفاشية المُطلقة ) وهي القادرة على ممارستها .
كانت تصرفات ( حماس ) ومنّ لحق بالهلوسة السياسية التى مارستها وما زالت من بعض التنظيمات التى خالفت حتى منطق الفكر عندما قبلت ان تكون ( يساراً اسلامياً يعتنق فكر ماركس و لنين ) ، تصرفات كانت أخطر من الاحتلال الصهيوني خلقت استعماراً داخلياً استوطن العقول البسيطة وخلق عشق التفاهة بإسم ( الحق ) وكفر بالفكر لأنه يُتعب دماغ منّ لا يستخدمون الا الجزء السفلي من العمود الفقري الذي يربط بين الدماغ والمُؤخرة .
سطحية حولت جزء لا يُستهان بعدده من الشعب الفلسطيني الي مجتمع مُبرمج على استهلاك الشعارات ، وخلقت احباط عام استبدل المفكرين بالمسوقين المحترفين المحظور عليهم التفكير بل التنفيذ ، مجرد رعايا مطلوب من كل فرد فيهم أن “يعجب”، “يشارك”، “يتفاعل” ” يزندق الاخر ” ومع مرور السنوات وسط مغامرات كارثية ماتت الرغبة في الفهم ، وانتشر بيننا ( وباء البغبغاء ) الذي يصفق لهذا او ذاك دون وعي وادراك الي أين ستنتهي به طرقات اليد اليُمنى على اليد اليُسرى .
عقدين من الضياع انتشرت فيها منابر التفاهة وهُوجم الفكر بلا رحمة ، ضياع صنع شلل شبه جماعي .. حتى منّ حاول ان يفهم ويُفكر لم يستطيع لأنه دُرب على ثقافة القطيع وكان سجين فقاعة من الوهم .
تفاهة سياسية ووطنية تم زرعها كنوع من الترفيه واستُهلكت كادمان يتعاطى السخافة يومياً ، فاصبح طيفاً منا لا يتحمل دقيقة من التفكير الحقيقي ، هدية قُدمت بدون ثمن سياسي لاسرائيل ( تطبيع التفاهة ) الذي جعل من “الجهل ” خفيفاً ومن الفكر العميق “ثقل دم” ، ثقافة انتشرت كالفِطر في الغابات سريعاً جعلت كل منّ يفكر بعمق ” ممل ” فنُزعت من العقول عضلات التفكير .
مغامرة تلو المغامرة وئدت ما وُلد معنا بالفطرة واعادت صناعته بهالة اعلامية صنعت ذوقاً عام لا يُناقش الحدث بل هوية القناة التى تنقله ومنّ يُروج له ومنّ يمول .. فكان جزء لا يُستهان به من اللاوعي الجماعي يتشكل عبر الشاشات والخطابات لا عبر قراءة الواقع وعوامل القوة والضعف .
برمجة خبيثة مدروسة بخطة مسبقة لمنّ استخدم الأغبياء ونفخ فيهم ليدربوا اعظم شعوب الأرض انتماءاً لهويتهم على الخضوع للوهم والكفر بالانتماء ، فكانت النتيجة العجز عن بناء حضارتنا ودولتنا بعقليات تُصفق لكل ما يلمع وحُول ( الغثاء السياسي ) الى معيار وطني .
كانت كل زوايانا حادة لا يدخلها أحد دون خدوش وبين ليلة وضُحاها ، فتحنا اعيننا على صباح يقتُل فيه الفلسطيني – الفلسطيني فأوغل فينا التعب مشقته بما فعلناه بأنفسنا ، وكانت الطريق التى سلكناها غير بريئة من ضربة تنظيم مجنون وضعنا على طريق الانهيار .
نحن الذين كنا نفعل كل شيء لنتجاوز ( النكبة والنكسة ) فأهدتنا حماس ( الوكسة ) بالانقسام ثم الدمار الشامل وابادة جماعية استئصالية ، وها نحن على طريق (التهجير ) والهلاك و القهر العظيم الذي ستدفئنا ذكريات ماضيه وتمزقنا في آن واحد ، نعم اسرائيل ونازيتها فعلت كل هذا بسيف سلمناه نحن لها .
كان يجب ان نتَصرَّف كما لو اننا الشعب الذي نود أَن نُصبحه ، وكنا نفعل ذلك كمنّ تغزل ثوبها بصبر في غرفة مظلمة وكنا نسير ببطء ولكن ! على طريق صحيح للدولة قبل ظهور قيادات ( المندي والنورماندي ) في حياتنا .
كل المحاولات لانقاذهم من الغرق الذي سحبنا جميعا تياره للاسفل فشلت ، لم يكُن يكفي ان نمد أيدينا اليهم كان من الضروري أن يمدوا ايديهم الينا ايضاً ، والآن ! عندما ايقنوا ان لا شيء يمكن أن ينقذنا من فعلتهم قالوا دعونا نستمتع سوياً بالغرق .
كل التوقعات التى ننتظرها من الآخرين لا من انفسنا هي قضبان نستخدمها لبناء سجننا القادم دون وعي تحت هول الصدمة والعجز عن التعامل معها .
والحركة القادمة التي ستخطوها ( حماس ) أهم من خطأها الماضي وعليها أن تدرك ان ( الاوطان للاحياء ) ، فمهمة كل مكون وطني حقيقي الان هي حفظ الحياة وجعل الشعب الفلسطيني يرغب في عيشها مرة اخُرى وما دون ذلك سيكون امعان في غباء اخطر من الخيانة .
وكون ( حماس ) ترفع شعار معلن لحق اصيل لنا لا يعني ان كل من يخالفها على خطأ ، فهي عمياء لا ترى الواقع من زاويته الصحيحة وشعرة بسيطة هي التى تفصل ( الحلم ) عن ( الكابوس ) الذي يوشك ان يدخلنا في (غيبوبة ) وحده الله يعلم متى نفيق منها .
منّ المجنون الذي يتفادى الحُطام بالحُطام ولا يصنع ممر .. منّ المجنون الذي يعطي ثقة مطلقة للوسطاء وهو لا يعلم انها دعوة لاحتلال ما تبقى من مصيرنا ، وان ارادت ( حماس ) معرفة الطريق الذي تأخذنا اليه عليها ان تسأل وتنظر الي اهل غزة العالقين فيه ، و العقل المستعد جيدا ويعرف قوة عدوه ومدرك لما هو قادم هو بمثابة حركة كش ملك مسبقة .
لقد ولى ذلك الوقت المدهش في حياتنا ولن يعود قريبا ، تلك الآفاق الجميلة التي كانت لدينا إبتلعها غباء الطارئين على قضيتنا ، و لسوء الحظ عقارب الساعة تدور ويمر الوقت سريعا ، ما هو ماض يتزايد وما هو آت يقل ، وما هو ممكن ينقص وما نندم عليه يتضاعف ، ونبدو كمنّ دخل إلى الحياة متأخرا فكل الأشياء التي أحببناها مستهلكة .. مدمرة .. راحلة.. أو بحوزة الآخرين .
يجب علينا ان نتعلم كيف نقرر مصيرنا بعقلانية وتدرج وهذا اهم ما نحتاجه مستقبلاً ، فالشعوب تنجو بنفسها لا بالاخرين ، فأغلب الاستناد شك وخوف وخذلان و ( أُم نكبات ) مؤجلة ، فكيف سنواجه بنفس العقليات وجزء منا مكسور والبقية تملؤه الثقوب وينطق باسمنا الاغبياء .
الوطن للاحياء لا مقبرة للاموات