في الأسابيع الأخيرة مُنع ممثلون كبار من هولندا وبلجيكا وفرنسا من دخول مركز التنسيق. وقال مصدر أوروبي إن الأميركيين أوضحوا أنهم غير راضين عن هذه السياسة، وأن المنع هو مطلب إسرائيلي.
علمت صحيفة “هآرتس” أن الولايات المتحدة لا تسمح لدبلوماسيين كبار يمثلون دولهم لدى السلطة الفلسطينية بالوصول إلى مركز التنسيق المدني–العسكري في كريات غات (CMCC)، وذلك تماشياً مع طلب إسرائيلي. وقد أفاد دبلوماسيون بأن المركز في كريات غات كان مفتوحاً أمام الممثلين الدوليين في الأسابيع الأولى بعد إنشائه في تشرين الأول، لكنهم أكدوا أن تغييراً طرأ في الأسابيع الأخيرة.
أول دولة مُنع رئيس بعثتها لدى السلطة الفلسطينية فعلياً من الوصول إلى المركز كانت هولندا، وذلك بعد أن زار ممثلها لدى السلطة المكان مرتين. وبعد ذلك، ووفقاً لمصادر دبلوماسية، مُنعت أيضاً ممثلة بلجيكا لدى السلطة الفلسطينية من الوصول، وكذلك القنصل العام لفرنسا في القدس المكلّف أيضاً بالعلاقات مع السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، أوضح الدبلوماسيون الذين تحدثوا إلى “هآرتس” أن موظفين من المستويات التنفيذية في هذه البعثات، الذين يعملون مباشرة مع السلطة الفلسطينية، ما زال يُسمح لهم بدخول المركز، وأن المنع يقتصر فقط على رؤساء البعثات، وبعضهم بدرجة سفير.
وقالت دبلوماسية أوروبية لـ”هآرتس” إنه قبل بضعة أسابيع بدأ الأميركيون يطلبون أن تُقدّم طلبات زيارة مركز التنسيق خطياً إلى السفارة الأميركية في القدس. وأضافت أن أحد ممثلي الدول قدّم بالفعل طلباً كهذا، لكنه لم يتلقَّ رداً رسمياً. وأبلغ مسؤولون أميركيون ممثلي تلك الدولة بأن وصول رئيس بعثتها لدى السلطة لن يُسمح به، وذلك بناءً على مطلب إسرائيلي. وأكد دبلوماسي أوروبي آخر أن دولته أُبلغت أيضاً شفهياً من قبل جهة إسرائيلية بالقرار القاضي بمنع وصول دبلوماسيين كبار يعملون مع السلطة إلى المركز. وقال دبلوماسي أوروبي ثالث إنه عندما احتجّ ممثلو دولته لدى الدبلوماسيين الأميركيين على القرار، حرص هؤلاء على النأي بأنفسهم عنه، والتأكيد أنه مطلب إسرائيلي وأنهم غير راضين عن هذه السياسة.
ووصفت الدبلوماسية الأوروبية التغيير الذي طرأ في عمل مركز التنسيق في كريات غات خلال الأسابيع الأخيرة. وقالت: “في الأسبوعين الأولين رأينا انفتاحاً من الجانب الأميركي للحصول على المعرفة، لأن كثيرين منهم لم يكونوا يعرفون الكثير لا عن غزة ولا عن الفلسطينيين. ومنذ ذلك الحين رأينا أن القبضة الإسرائيلية هناك قد تعززت”.
وترى الدبلوماسية الأوروبية ودبلوماسيون من دول غربية أخرى أن ممثليهم لدى السلطة الفلسطينية يجب أن يكونوا حاضرين في مركز التنسيق بكريات غات لأنهم أصحاب الخبرة فيما يتعلق بالمجتمع الفلسطيني عموماً، والعلاقات مع السلطة الفلسطينية خصوصاً. وقالت الدبلوماسية: “من الواضح أنه لا توجد في المركز أي تمثيلية فلسطينية، ولذلك حاولنا سد هذه الفجوة”.
وتحاول الدول الغربية الممثَّلة في مركز التنسيق التأثير على السياسة الإسرائيلية والأميركية تجاه قطاع غزة، وتدفع باتجاه منح السلطة الفلسطينية دوراً في إدارة الأحياء التي ستُقام شرق الخط الأصفر، في المنطقة الخاضعة حالياً لسيطرة الجيش الإسرائيلي. وتتناقض هذه المبادرة مع السياسة المعلَنة للحكومة الإسرائيلية التي ترفض نقل السيطرة على القطاع إلى السلطة الفلسطينية. وقد شدد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع على أنه وفقاً لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإن السلطة “لا تزال بحاجة إلى المرور بمراحل عديدة” قبل نقل السيطرة على القطاع إليها. وقال نتنياهو في مؤتمر صحافي مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس: “سنرى إذا ما كانوا سيتغيرون؛ أشك في ذلك”. وأضاف أن إسرائيل “تجاوزت” السلطة الفلسطينية عندما وقّعت اتفاقيات أبراهام، مدعياً أن السلطة “لا تريد السلام مع إسرائيل، بل تريد سلاماً من دون إسرائيل”.
ويتطابق المنع الفعلي لدبلوماسيين يعملون مع السلطة الفلسطينية من زيارة مركز التنسيق مع سياسة حكومات نتنياهو المتعاقبة، التي عملت على إحباط كل خطوة تهدف إلى توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة تحت سلطة واحدة. وقد قدّر أحد الدبلوماسيين الذين تحدثوا مع “هآرتس” أن المنع يهدف أيضاً إلى عكس موقف إسرائيل السلبي من العلاقات الوثيقة بين بعض الدول والسلطة، وخاصة الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية.
وفي حين تُقصي إسرائيل من مركز التنسيق دبلوماسيين يرغبون في المساعدة بإعادة إعمار غزة، تؤخر الولايات المتحدة الإعلان عن تشكيلة “مجلس السلام” الذي من المفترض أن يشرف على إدارة القطاع. وقال ترامب الليلة الماضية إنه سيعلن عن أعضاء مجلس السلام في مطلع عام 2026. وأضاف في البيت الأبيض: “سيكون واحداً من أعظم المجالس على الإطلاق. الجميع يريد أن يكون فيه، حتى رؤساء الدول الأكثر أهمية”. وتابع: “لم يكن هذا مخطّطاً تماماً. كنا نعتقد أننا سنحصل على أشخاص محترمين حقاً يعملون في مثل هذه المهمات. لكن رؤساء الدول، والملوك، والرؤساء، ورؤساء الحكومات – جميعهم يريدون أن يكونوا ضمن المجلس”.
وأفادت عدة مصادر دبلوماسية بأنه يُتوقع أيضاً حدوث تأخير في الإعلان عن تشكيلة اللجنة الفلسطينية–التكنوقراطية التي يُفترض أن تدير الشؤون اليومية في غزة.
ولم تصدر أي تعقيبات من مكتب رئيس الوزراء، أو من السفارة الأميركية في إسرائيل، أو من وزارة الخارجية الأميركية، أو من وزارة الخارجية الإسرائيلية، أو من الجيش الإسرائيلي.






