السياسي – مرت فترة طويلة منذ سمع تعبير “النصر المطلق”. هذا التعبير المثير، الذي تحول من مجرد قول إلى أحد مبادئ الإيمان، تلاشى كلياً، ولم يعد صالحاً حتى كنكتة. يبدو أننا أدركنا بشكل متأخر بأن النصر المطلق بعيد المنال، بل يهدد النظام بشكل مباشر، ومن ثم لا يجب تحقيقه. لأن ذلك يعني أن الحرب انتهت، وأن جميع أهدافها تحققت، وأنه يمكن العودة إلى الحياة الطبيعية، حيث يتمتع المواطنون بـ “أوقات فراغ” يتخيلون فيها المستقبل وبث الأمل.
لو أمكن للنظام لانطلقت صافرات الإنذار على مسامع المواطنين في كل ساعة، ولعرضت خريطة على الشاشات تشير إلى المواقع التي يحتمل حدوث قصف فيها، ولفعلت تطبيق قيادة الجبهة الداخلية من أجل تذكير المواطنين بأنه حتى لو ظهر كل شيء هادئ فنحن في حالة حرب، وأنه لا يمكن ولا يجب أن يكون لها تاريخ انتهاء. الأمر لا يقتصر على الرغبة في توسيع الأراضي الوطنية والسيطرة على السكان وعلى المناطق التي تم احتلالها، بل الهدف هو السيطرة الكاملة على وعي المواطنين بضرورة الحرب.
الحرب في غزة كانت مثالاً. هل يستطيع أحد تحديد متى وإذا كانت ستنتهي أصلاً؟ في البداية، حددوا ثلاثة أهداف: القضاء على البنية التحتية العسكرية لحماس، وإبعادها عن الحكم، وإعداد الظروف لإعادة الاسرى. ثم أضيف هدف آخر وهو إعادة سكان المنطقة الشمالية إلى بيوتهم سالمين. باستثناء إعادة الاسرى، الهدف الذي عانى من المماطلة والإفشال المتعمد، لم يتحقق أي هدف آخر، لا لأنه كان من المستحيل تحقيقه. كان يمكن القيام بإزاحة حماس عن الحكم لو لم تُحمّل أعباء ثقيلة، تتمثل في معارضة مشاركة السلطة الفلسطينية غير المفهومة في قطاع غزة. كان يمكن أن تؤدي هذه الخطوة إلى تشكيل حكومة بديلة والسماح بدخول القوة متعددة الجنسيات والبدء في إعادة إعمار القطاع. ولكن حماس ما زالت تسيطر على نصف القطاع تقريباً، بل وتستعيد قوتها العسكرية بالتدريج، وما زالت القوة متعددة الجنسيات فكرة نظرية. النتيجة، استمرار القتال بدون تحديد موعد نهائي.
السكان في الشمال يجدون صعوبة في العودة إلى بيوتهم، لأن تهديد حزب الله لم يرفع بعد. تدعي إسرائيل وبحق بأن الجيش اللبناني لا ينفذ التزامه بنزع سلاح حزب الله. لذلك، هي تقول بوجوب استمرار الحرب. إلى متى؟ إذا كان الهدف هو جمع كل صاروخ وقذيفة ورشاش ومسدس وقنبلة من يد حزب الله، فالمضمون أن تستمر الحرب إلى الأبد، وهكذا أيضاً عدم وجود أمن لسكان الشمال. ولكن، هل تضمن أن إسرائيل ستنجح في تنفيذ نزع السلاح، أم أن الحديث يدور عن خدعة تهدف إلى ترسيخ الوعي بالحاجة إلى الحرب وتدجين سكان الشمال المحطمين وجعلهم يؤمنون بأن أمنهم يتعلق بذلك؟
تعويد الجمهور على وضع دوام الحرب دائمة وضرورة وجودية، هو أمر حيوي للنظام، ليس فقط لتنمية والحفاظ على الخوف الذي سيبعد أي فكرة من أجل استبداله، بل إن المجتمع الخائف والمذعور يمنح النظام الشرعية والقوة لإحداث تغييرات عميقة في صورته واقتلاع قيمه وسحق الأسس الديمقراطية في الدولة وترسيخ اعتماد الجمهور على الحاكم، لأنه هو وحده القادر على ضمان الأمن وتحقيق النصر المطلق.
إسرائيل أصبحت في عمق عملية تحولها إلى نسخة مشوهة من نفسها. هي على وشك فقدان الأمل في التغيير والإيمان بحاجتها إليه. لأن المعركة على رسم ملامح “اليوم التالي” – التي وعدت بحساب طويل وحاسم لمنفذي الدمار – استبدل بها ضبط النفس والخضوع. وهذه القيم ستبقى لأننا في “حالة حرب”، لكن علينا ألا فقد الصبر لأن هذا اليوم سيأتي بعد “النصر المطلق”.
تسفي برئيل
هآرتس 26/11/2025






