لم يكن مفاجئًا للبعض اختيار يحيى السنوار رئيسًا للمكتب السياسي لحركة حماس، خلفًا للشهيد إسماعيل هنية. ففي ظل حرب الإبادة التي يتعرض لها شعبنا في غزة، كان من الضروري أن توكل مهام قيادة حماس لجهة الصقور في قيادة الحركة، وليس لجهة الحمائم، ولذلك فإن كل من اعتبر الأمر مفاجئًا تكون قد خانته حساسية المرحلة ومتطلباتها، وما طرأ من ضرورة في الوقت الراهن بفعل الحرب على غزة. ولو كان الوقت مختلفًا لاختلفت ربما حسابات الحركة، واختلفت قوة تحالفاتها الداخلية والخارجية، ولكانت فرص السنوار أقل، إلا أن الواقع الحالي فرض معطيات تعاملت معها قيادة حماس على حساب تحالفات إقليمية، وعلى حساب تجاذبات داخلية بين أقطاب رئيسية ذات قرار وتتمتع بنفوذ كبير داخل الحركة، بالإضافة إلى تجاوزها لبعض الأسماء الكبيرة التي لها ثقلها.
حسب مراقبين فإن اختيار السنوار يشكل صفعة لنتنياهو، وهذا صحيح كون الأخير يواصل حربه ومطاردته منذ عشرة أشهر للنيل من يحيى السنوار الذي تعتبره إسرائيل المخطط والقائد لعملية السابع من أكتوبر، وقد وضعته منذ اليوم الأول على قائمة الاغتيال، وهي حتى اليوم فشلت في الوصول إلى أيّ معلومة تدلهم عليه، لكن الأمر المؤكد أن اختيار السنوار لقيادة حماس لا علاقة له بتوجيه صفعات لنتنياهو وغيره، بل إن الأمر يعتمد على الظرف العام والواقع على الأرض في غزة، وإن كان من المهم أيضًا النظر إلى أن اختيار السنوار يشكل خطوة تصعيدية تصاعدية في وجه آلة الإبادة والحرب وسياسة حكومة نتنياهو المتطرفة، وإلى بعض الحسابات التي لها علاقة مباشرة بحماس غزة.
لا شك أن السنوار يتمتع بشعبية واسعة، خاصة منذ السابع من أكتوبر، لا أحد يستطيع تجاهلها، رغم أن البعض يعارض هذه الفكرة مستذكرًا الانتخابات الداخلية الأخيرة التي أجرتها حماس، وفشل السنوار في النجاح أمام منافسه نزار عوض الله، إلا في الجولة الرابعة بعد ثلاث جولات لم يحصل أيّ منهما على نسبة الحسم وهي 50+1 من أصوات مجلس الشورى، إلا أن السابع من أكتوبر غيّر معادلات كثيرة من بينها شعبية السنوار التي امتدت إلى خارج إطار حركة حماس.
من المهم في هذا السياق النظر إلى الأمر على أنه قد يحمل الحل، فغالبًا القادرون على الحل هم الصقور، وليس الحمائم، لما يتمتعون به من قوة قادرة على فرض قراراتهم وتطبيقها، وهذا قد يدفع عجلة التفاوض لعقد الصفقة التي قد تكون أقرب إلى التطبيق خلال الفترة القادمة.
تجاذبات الإقليم، والرد المرتقب الذي قد يؤدي إلى حرب على عدة جبهات، وحجم القتل والدمار المتواصل من قبل الاحتلال، وتمادي أجهزة الموساد والشاباك في تنفيذ اغتيالاتها، وانحياز أمريكا وحلفائها لجهة حكومة الحرب، وضعف السلطة وإضعافها قصدًا وعمدًا، وغياب وجود مشروع سياسي حقيقي يجعل المنطقة كلها على صفيح ساخن، وترقب يومي لكل طارئ، فشرارة الحرب قد تشتعل في أي لحظة، وأمام هذا يبقى الأمل معقودًا على صفقة توقف الحرب المستعرة في غزة وتنزع فتيل الحرب في الإقليم.