أساس الانقسامات داخل حماس..”السنوار”
من يتابع الشأن الفلسطيني العام، لا يحتاج هذه الأيام إلى منظار قوي لقراءة الواقع الحمساوي الجديد، ليقف على المحطة التي وصلتها حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، كما تطلق على نفسها رسميا، وهي تجر أقدامها بتثاقل نحو النهايات فعليا، كما سبقها الكثير من حركات التحرر الفلسطينية، كانت في “عز شبابها” واندثرت ولم نعد نسمع بها إلا في بيان شجب وتنديد هنا أو هناك، بعدما بدأ الانقسام والانشقاق يدخل الصف الأول في الحركة التي لطالما حاولت إخفاء أي انقسامات داخلها.
فقد اتفقت حماس فعليا على استمرار الحوار بين التيارين المتخاصمين “تيار خالد مشعل” و”تيار خليل الحية”، وذلك عندما أدركت أننا أمام عصر جديد سيطيح بكل مكونات السياسة الفلسطينية، وقرأت تداعيات الزلزال الكبير بعد عملية السابع من أكتوبر، وأدركت أننا أمام لحظة أو صفحة تاريخية تفتح على عهد مختلف.
وهذا ليس جديدا على شعبنا وقضيتنا، فلو عدنا للتاريخ فإن النكبة أطاحت بالأحزاب الفلسطينية التي تشكلت في ثلاثينيات القرن الماضي مثل حزب الإصلاح العربي وحزب الدفاع وحزب الاستقلال، وكذلك حرب حزيران أطاحت بالطبقة السياسية التي يتزعمها أحمد الشقيري لتفسح الطريق لقوى جديدة بدأت تملأ فراغ العجز أبرزها حركة فتح والجبهتين الشعبية والديمقراطية.
ويعود أساس الانشقاق داخل حماس، إلى أن رئيس الحركة في غزة السابق يحيى السنوار كان يهمش القيادة القديمة لحماس في قطر وتركيا ولبنان، حتى أن بعضهم كانوا منافسيه المريرين وآخرون لم يكن لديه سوى الازدراء لهم، وبالتالي كان يخطط للتأكد من أن له الكلمة الأخيرة في كل خطوة على الطريق.
ووفقا لمن يقترب من الحركة، فإن السنوار كان يعلم مسبقا أنه بمجرد اندلاع الحرب في السابع من اكتوبر، سيحتمي في الأنفاق، وأن الاتصال به سيجري عبر هاتف نقطة إلى نقطة، وبالتالي سيضطر إلى الاعتماد على ملاحظات مكتوبة تمرر بواسطة مراسلين “مراهقين” في الغالب، الأمر الذي سيجعل نقل أي رسائل أو تعليمات لقيادة الحركة في الخارج سيحتاج أياما من الوقت.
الحقيقة، أن السنوار كان قلقا جدا من قيادة الحركة في الخارج، ومن الرئيس السابق للحركة، “خالد مشعل”، وفصيله الذي تم تهميشه تدريجيا في السنوات الأخيرة، ليصل الأمر بالسنوار وقائد شعبة فلسطين في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال “حسين عزدي” (المعروف باسم “حاج رمضان”) يذكّران بعضهما البعض بالتأكد من إبقاء “مشعل” وزملائه خارج حلقة القرار، ليصبح القرار النهائي لصقور الحركة من هنية الى السنوار.
في المقابل، كان خالد مشعل يتشكك دائما في التحالف مع حزب الله وإيران، ويعترض على أي قرار بهذا الاتجاه، والذي كان بدايته اعتراضه على دعم نظام الأسد وايران مؤخرا، حيث جادل أن حماس يجب ألا تنحاز ضد الفروع السورية، هذا أدى إلى مغادرة “مشعل” وعشرات العناصر الأخرى من دمشق وترك حماس في مواجهة الدول العربية وتركيا التي إما ساعدت الثورة أو تعاطفت علنا مع الجهد لإطاحة الأسد.
منذ ذلك الحين، قرر “السنوار” ورئيس حماس آنذاك إسماعيل هنية وضع رهاناتهم على حزب الله، الذي أبرموا معه مذكرة تفاهم حول التعاون العسكري، ومع النظام الإيراني، الذي أصبح مصدر دعمهم الرئيسي والدراية العسكرية والمساعدة المالية السخية.
لكن في هذه الحرب، ومنذ استشهاد “الضيف” و”هنية” و”السنوار” وأغلب المستوى الأول في قيادة الحركة بغزة، برز لاعبون خارج القيادة الأساسية، مثل محمد إسماعيل درويش، أمين الصندوق، الذي أقام لسنوات في بيروت وترأس اسميا مجلس الشورى، أصبح الخليفة المؤقت لـ”هنية” بينما القادة الباقين لم يتمكنوا من التصويت على تعيين دائم.
أما “نزار عوض الله”، الذي هزمه “السنوار” بدعم من “الضيف”، في انتخابات 2017 لرئاسة المكتب السياسي في غزة، ظهر أيضا مجددا ليدعي دورا كالمعارض الرئيسي لـ”مغامرة” “السنوار” خلال النقاشات التي تجري داخل الحركة حول ما وصلت اليه مؤخرا.
ومع زوال قيادة غزة وصعود شخصيات مهمشة سابقا، مثل مشعل والرشق وأبو مرزوق وخاطر ونزال، زاد مشعل الضغط من أجل “إعادة تقييم” سجل الحركة، كاسبا دعما بين الكوادر، خاصة في الضفة وأيضا بين القادة الصغار الناجين بغزة، وذريعته الأساسية، في المداولات المغلقة، هي أن الحركة يجب أن تنسحب من الاعتماد على إيران وحزب الله، وكلاهما ضعف بشكل كبير بعد الحروب الأخيرة.
ويدعو مشعل إلى العودة للحضن العربي والمصالحة مع دول الخليج وخصوصا السعودية ومصر وسوريا، ولكن هذا سيتطلب من حماس الموافقة على شروط سعودية وإماراتية ومصرية لتمويل إعادة الإعمار: وهي أن تتخلى عن الحكم ونزع السلاح وتفكك الجناح العسكري، والموافقة على الانضمام إلى منظمة التحرير والالتزام بمنصتها لرفض “الكفاح المسلح”، ودعم حل الدولتين ومنع الأسلحة غير الخاضعة للسلطة الفلسطينية.
ويعلل “مشعل” أن حماس لم تعد قادرة على الحكم غزةد، ولا تملك المال، والمتبرعون لن يسرعوا للمساعدة، والغزيون ينقلبون ضدها، لذلك يجب أن تسعى المنظمة لدور ثانوي كحزب سياسي، منتظرة فرصة في انتخابات عامة، باختصار وصفة “مشعل” هي الاعتراف بفشل مسعى “السنوار” ودفع الثمن الآن أملا في التعافي لاحقا.
لكن التيار الآخر في الحركة، الذي يمثله “الحية” وجبارين والحداد بغزة، يرفض هذه المقترحات بغضب، ويحتجون أنهم قادرون على تحقيق الانسحاب الكامل للجيش من غزة، والحفاظ على سيطرتها الحصرية على غزة، ويعتقدون أن قطر وتركيا سيبتكرون طرقا لتقديم مساعدة كبيرة لهم، مع قيام إيران بأفضل ما يمكنها للمساعدة، علاوة على ذلك يقولون إن السلطة الفلسطينية هشة جدا ولا توجد فائدة في استرضائها.
ووسط هذه العواصف الكبيرة التي تعيشها حماس، المأزق أو المأساة التي دخلت بها القضية الفلسطينية ظهرت لدى حركة حماس التي كانت تعد الفلسطينيين بالنصر والتحرير، فإذا بها تقف مشدوهة أمام هول الحاضر، للأسف كانت حماس قليلة الحيلة وعادت لشعبها خالية الوفاض من حجيج تركيا وقطر تماما كما يريد لها التاريخ، تلك حكمته في كتابة النهايات، لكنها زادت عليه بالانقسامات الداخلية، وللحديث بقية في المقال القادم.







