على الرغم من أنّ نكسة حُزيران استمرت سِتة أيام فقط عام (1967)، إلاّ أنّ تبعات الحرب العربية الإسرائيلية ما زالت تَتَرَدَّدُ حتى اليوم. فقد أرست هذه الحرب حُدوداً جديدة أعادت تَشكيل سياسة الشرق الأوسط الحديث. وَواصلت إسرائيل حَربها المُدمرة مِن خلال صدامات عسكرية مع ثلاث دُول رئيسة هي: (مصر، سوريا، والأردن، بمُساندة من العراق، السعودية، السودان، الجزائر، ليبيا، وتونس).
نُقْطَة تَحَوُّلٍ حَرِجَةٍ فِي غُضُونِ سَاعَات
ومُنذ مُنتصف عام (1967)، وقَعت أحداث مُختلفة من بينها مُطالبة مصر بسحب قوات الأمم المُتحدة من سيناء وحَشد جيشها في سيناء، وإغلاقها “لمضايق تيران” في البحر الأحمر أمام الملاحة الإسرائيلية في (22) أيارعام (1967)، ممّا اعتبرته إسرائيل إعلاناً رسمياً للحرب. على إثر ذلك، خططت إسرائيل لشن الحرب على الدول العربية المُجاورة في الخامس من حزيران (1967).
وفي غضون ساعات قليلة، حققت إسرائيل أحد أكثر الانتصارات غير المُتوازنة في التاريخ العسكري. فور اندلاع الحرب، دمرت القوات الجوية الإسرائيلية مُعظم القوات الجوية المصرية والأردنية والسورية في عملية جريئة غير مَسبوقة. انهزمت الجيوش العربية، التي بلغ عدد أفرادها (547,000) ألف جندي، أمام هذا الهجوم الساحِق.
في يوم واحد، تعرضت القوات الجوية المصرية لخسائر فادحة بنسبة (85%)جراء هجمات القوات الإسرائيلية. وبعد مرور خمسة أيام فقط، تمت السيطرة على قطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء، والضفة الغربية، والقدس الشرقية، وهضبة الجولان السورية. تسببت هذه الأحداث العسكرية في نزوح الآلاف من السكان، مما أدى إلى تصاعد التوترات السياسية والإنسانية في المنطقة.
واستمرت خيبة أمل الشعب الفلسطيني بسبب هزيمة العرب في حرب حزيران (1967)، حيث لم يتمكنوا من التعافي من عواقب النكبة وخذلان العرب لهم في تحرير الأراضي الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي، الذي سيطر على جزء كبير منها خلال عام (1948).
تَغْيِيرٌ كَبِيرٌ فِي اَلْمَشْهَدِ اَلسِّيَاسِيِّ مُنْذُ عَامِ (1967)
حرب الأيام الستة عام (1967) كان لها تأثير عميق ودائم على الشرق الأوسط. أدى الاحتلال الإسرائيلي طويل الأمد إلى تشريد الفلسطينيين، وانتشار الاستيطان، وعرقلة تطور الاقتصاد الفلسطيني، وخلق انقسامات داخل المُجتمع الإسرائيلي.
وبعد حرب حزيران بين إسرائيل والدول العربية المُجاورة، برزت حقائق مُهمة للغاية في وضع الشرق الأوسط. أولها سيادة إسرائيل الكاملة وغير المشكوك فيها كقوة مُهيمنة في المنطقة، والثانية كانت بروز الفلسطينيين كتحدٍ محوري للعلاقات السائدة للقوى في المنطقة.
وبعد مرور سبعة وخمسين عاماً على النكسة، ومنذ السابع من تشرين الأول (2023)، تواصل إسرائيل حربها المُدمرة على قطاع غزة، مما أسفر عن أكثر من (46,439) شهيداً ومفقوداً وفقاً للإحصائيات الحديثة التي نشرها مكتب الإعلام الحكومي حول الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة.
وفي حزيران (2024)، تخوض إسرائيل حرباً على سبع جبهات، حيث تتواجه في الشمال مع حزب الله وفي الجنوب مع حماس، وتشهد تصعيداً في سوريا ومع الحوثيين ومن العراق وفي الضفة الغربية. وفي الوقت نفسه، يشهد الجيش الإسرائيلي حرباً داخلية بين كبار الضباط تتسع تدريجياً.
اَلْحَرْب تَرَكَتْ بَصْمَتُهَا اَلدَّائِمَةُ
تبعاً للهزيمة الفادحة في الحرب، اتجهت الدول العربية نحو اتخاذ قرارات صارمة مثل إعلان اللاءات الثلاث، مما يعكس رفضهم التام لأي تفاوض أو اعتراف أو صلح مع إسرائيل. ومع ذلك، لم يمض وقت طويل حتى قرروا العرب المُوافقة على قرار مجلس الأمن الدولي رقم (242) في (22) تشرين الثاني (1967)، الذي أعيد صياغته في ظل تغيرات سياسية في المنطقة بعد الهزيمة.
هذا القرار الذي جاء بعد هزيمتهم في الحرب العربية الإسرائيلية الثالثة، أكّد مبدأ “الأرض مقابل السلام”. وفقاً لهذا القرار، كان من المُقرر أن تنسحب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في عام (1967) مُقابل تحقيق السلام مع الدول العربية. ومع ذلك، لم يتم تنفيذ القرار حتى الآن، ممّا أدى إلى تدهور الأوضاع وتهجير الآلاف من الفلسطينيين من الضفة الغربية، بالإضافة إلى محو العديد من القرى، وفتح باب الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية.
واعتراف المُنظمات العربية بالقرار (242) يُعد اعترافاً بواقعية وجود إسرائيل كدولة في المنطقة، وهو اعتراف أسس لاحقاً للمفاوضات والصلح والاعتراف العربي الرسمي بإسرائيل. على الرغم من رفض مُنظمة التحرير الفلسطينية للقرار لمُدة طويلة، إلا أنّها باتت تعتمده بقوة لأنه يُعتبر الأداة القانونية المُشتركة التي تتفق عليها الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي تسمح بالمُطالبة بإجراء المُفاوضات استناداً إلى خطوط حدود عام (1967). وفي الوقت نفسه، تتناقض مَواقف إسرائيل الرسمية التي تقبل القرار مع أعمالها العملية على الأرض، مثل ضم القدس وبناء المُستوطنات اليهودية في المناطق المُحتلة.
وأظهرت نتائج الحرب الأخيرة تحدياً كبيراً، حيث ارتفعت التوترات السياسية والاقتصادية بشكل كبير بسبب احتلال إسرائيل للضفة الغربية وتأثيره على حياة الفلسطينيين. على الرغم من انتهاء الحرب بسرعة، إلا أنّ عدة أجيال من الفلسطينيين ما زالوا يعانون عواقبها هذا أدى إلى تشريد ونزوح العديد منهم وفقدان الأراضي الفلسطينية، وزاد من التوترات الداخلية والصراعات، ودفع بالشعب الفلسطيني للمطالبة بحقوقهم وتعزيز هويتهم وانتمائهم للقضية الفلسطينية.
وبنهاية تلك الحرب، كانت مَساحة الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل حوالي (69,347) كيلومتر مربع من الأراضي العربية.
وبعد حرب عام (1967)، شهدت حالة القدس تغييرات جذرية أثرت على الوضع السياسي والجغرافي والديني في المدينة المقدسة. تحوي القدس القديمة العديد من المواقع المقدسة التي تحمل أهميّة كبيرة لليهود والمسيحيين والمسلمين على حد سواء. ونتيجة لذلك، أصبحت السيطرة الإسرائيلية على القدس تلعب دوراً محورياً في الصراع السياسي القائم.