السياسي – يؤكد باحث إسرائيلي محاضر في جامعة تل أبيب مختص بالشؤون الفلسطينية، الجنرال في الاحتياط، ميخائيل ميليشتاين، أن زلزال سوريا ما زال في أوجِهِ، ويدعو إسرائيل للحذر من التدخل في شؤونها الداخلية من أجل صياغة واقع سياسي جديد فيها، داعياً للتعلّم من أخطائها، مرجّحاً تقسيمها إلى كانتونات انفصالية.
ويقول ميليشتاين، مدير وحدة الدراسات في الاستخبارات العسكرية سابقاً، إن الدراما السورية العاصفة تهمّش حقيقة أن إسرائيل تتعامل مرة أخرى مع مفاجأة أساسية، بما معناه سيناريو لم يكن في الحسبان مطلقاً، أو أن احتمالات تحققه كانت قليلة.
ويتوقف عند فشل توقع الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أيضاً سرعة السقوط: “صحيح أن العاصفة في سوريا مختلفة في ظروفها وإسقاطاتها، مقارنةً بإخفاق السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لكنها تعكس مؤشرات كانت قائمة، ولم يتم التعامل معها بجدية، ويجب تحليلها في العمق. المطلوب الآن، وبصورة خاصة لأن الزلزال لا يزال مستمراً في سوريا، هو أن نتأكد من أننا نقرأ الصورة في العمق، ونتعرف إلى طبيعة اللاعبين، وهو ما سيساهم في بناء سياسة واعية”.
وضمن مقترحاته يقول ميليشتاين: “أولاً، علينا فحص حجم الفجوة في فهم الواقع السوري لدى صنّاع القرار والأجهزة الأمنية (خاصة الاستخبارات)”، وفي هذا الإطار، يجب القول إن التقديرات السائدة كانت تفيد بأنه رغم الضربات التي تلقاها محور المقاومة، خلال الأشهر الماضية، وخاصة تلك التي تلقاها “حزب الله”، فإن النظام السوري لا يزال مستقراً.
داعياً للفحص مستقبلاً ما إذا كان من الممكن، أو إلى أي حد كان يمكن معرفة خطة هجوم المتمردين (الذين من الواضح أنهم ليسوا على رأس سلم الأولويات الاستخباراتي اليوم)، ثم يجب فحص التقديرات بشأن دراماتيكية هذا الهجوم وإسقاطاته وسرعته.
وهنا، يتساءل الباحث الإسرائيلي، كمراقبين إسرائيليين آخرين إلى أي حد جرى تحليل وفهم استخلاصات السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ويقول: “يبدو أنه كان هناك فجوة في القضايا كافة. هذا الأمر يعزّز السؤال عن مدى فهم وتحليل استخلاصات إخفاق السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وهل يمكن أن تكون حقيقة أننا واجهنا مفاجأة أساسية أخرى (رغم أنها مختلفة) تنبع من أنه على مدار 14 شهراً من الحرب، لم يجرِ أي تحقيق جدي يسمح بمنع حالات مشابهة”.
ويرجح ميليشتاين أنه لا يمكن ضمان عدم تكرار هذه الأخطاء مرة أخرى، بعد المفاجأة السورية، ويجب التفرغ فوراً لتحليل السيناريوهات الممكنة، وطرح توصيات بشأن السياسة الإسرائيلية المطلوبة، وعملياً، “المفاجأة تجعلنا في وضع غير مريح بشأن قراءة الواقع والتقديرات المستقبلية”.
استخلاصات منسوخة
طبقاً لميليشتاين، يجري الحوار بشأن جذور “السابع من أكتوبر” في الإعلام، أو الأكاديميا، وحتى الآن، لا يرافقه تفكير ثوري جذري. وفي هذا الإطار، تبدو الاستخلاصات كأنها منسوخة من تقرير “لجنة أغرانت” عقب حرب 1973 التي تتطرق، في أغلبيتها، إلى الأبعاد التنظيمية ومسارات اتخاذ القرارات، مثل التفكير الجماعي، أو الحاجة إلى تفكير نقدي، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات عن التحقيقات، وإلى أي مدى تركز على الفجوات والاستجابة الصحيحة.
ويرى أنه يجب على عملية الفحص أن تبدأ بفحص كيفية التعامل مع أحداث مشابهة، مثل احتلال العراق في سنة 2003، و”الربيع العربي”، قبل أكثر من عقد. ويضيف: “في الحالتين، تعالت أصوات كثيرة في الغرب، وأيضاً في إسرائيل (الاستخبارات والإعلام والأكاديميا) يملؤها التفاؤل وتبشر بـ “شرق أوسط جديد” على الأبواب، وكانت تحليلاتهم تشير إلى أننا أمام تشكل منطقة مستقرة وليبرالية. وفي الوقت نفسه، تم تجاهل تقديرات أكثر تشاؤماً، صدرت أساساً من الباحثين في شؤون الشرق الأوسط الذين ركزوا على تحليل الميزات الأساسية الثقافية والتاريخية للمنطقة، وأشاروا إلى تحديات واضحة تحولت إلى واقع كئيب، بعد مرور وقت قصير”.
يجب الامتناع عن الشعور بالنشوة
على خلفية ذلك يقول ميليشتاين إنه رغم سقوط عدو مر، وتلقي محور المقاومة بقيادة إيران، الذي كان مهيمناً على المنطقة خلال العقود الماضية، ضربات أدّت إلى زعزعته، يجب الامتناع عن إبداء النشوة المليئة بالشعارات، والتي تتطور في أعقاب إنجازات المعركة في الشمال.
كما يقول إنه لا يوجد في سوريا أي شيء يمكن أن نستمد منه الأمل بعد الأسد، حيث يدور الحديث عن مجموعات تم دمجها معاً، لديها حسابات مفتوحة ودامية (يمكن أن تندفع بحدة، وخصوصاً ضد العلويين)، وفي الخلفية، لا توجد أي ممارسة سياسية ليبرالية، أو مجتمع مدني، أو دولة قومية متماسكة.
ويعتبر الباحث الإسرائيلي أن سوريا متعددة المركبات والتناقضات على صُعد كثيرة، وهي الآن تشبه، إلى حد بعيد جداً، العراق ما بعد سنة 2003، لكنها تفتقد إلى الصمغ الأمريكي الذي حافظ على تماسك الدولة، حتى لو كان بشكل متقطع. ويضيف: “ليس هذا فقط، فالمتمردون لا يشكّلون معسكراً واحداً فقط، بل مجموعات لديها مصالح متناقضة وأفكار (بعضها جهادية)، تعيش في واقع يشهد كثيراً من التدخلات الأجنبية، ومن ضمنها طهران. وفي هذه الحال، لن يكون من المبالغ فيه القول إن سوريا ستُقسم إلى كيانات منفصلة، أو بشكل أكثر دقة، ستتم مأسسة الوضع المفكّك الذي ميّزها على مدار أكثر من عقد”.
تحذير من تدخل إسرائيلي
ويرى أنه يجب الابتعاد عن طريقة التعامل الواعية مع الأوهام وخلق العناوين، ويقول إن آخر سلوك كهذا كان محاولة نقل الرئيس الأسد إلى المحور العربي المعتدل، وبذلك يتم زرع الفتنة في محور المقاومة. معتبراً أن زلزال سوريا يدفع إلى طرح أفكار جديدة بشأن الحاجة إلى دعم جزء من تنظيمات المتمردين، وهي فكرة تذكّر بتاريخ مرير ومنسي، حاولت فيه إسرائيل صوغ أنظمة حكم في المنطقة، ويمكن أن تكون مغامرة خطرة تتطور في اتجاهات متعددة، في الوقت الذي لا تزال إسرائيل تتعامل مع جبهات مفتوحة في غزة ولبنان، وعليها التركيز على إيران.
ويضيف مذكراً ومحذراً: “قبل أن تتطور أفكار اليوتوبيا بشأن بناء “شرق أوسط جديد”، يتوجّب على متخذي القرار وغيرهم ممن يعملون على فهم الواقع، أن يتزوّدوا بعدة قيَم أساسية: الحذر، والتواضع، والسعي الدائم لفهم الشرق الأوسط في العمق، وهو ما لا يمكن أن يحدث من دون فهم المميزات الثقافية ولغة أبناء المنطقة. هذه الخلاصة ضرورية لكل المجتمع الإسرائيلي، وهو ما تم تهميشه، بالضبط مثلما حدث بعد حرب 1973”.