السياسي – قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، عبر تقرير أعدّته ياسمين أبو طالب، إنّ “فريق الرئيس جو بايدن يحاول استغلال سقوط نظام بشار الأسد، للدفاع عن سجله في الشرق الأوسط، مع أن الناقدين له ولسياساته بالشرق أوسط يقولون إنه يجب عدم التقليل من أهمية مأساة غزة”.
وبحسب التقرير فإن “فريق بايدن يزعم أن دعمه الثابت لإسرائيل ونهجه تجاه المنطقة مهّد الطريق للأحداث التي أدت في نهاية المطاف إلى الإطاحة بالأسد، ويمكن أن تؤدي لعصر جديد من التعاون”.
وبحسب المصدر نفسه، “يرى عدد من أعضاء الجناح التقدمي بالحزب الديمقراطي، وعدد متزايد من الديمقراطيين، أن تعامل بايدن مع الحرب ضد غزة يمثّل فشلا بالسياسة الخارجية الأمريكية، إذ يقول البعض في الحزب إنّ عدم رغبته في كبح جماح إسرائيل وتجنب كارثة إنسانية بغزة من شأنه أن يشوّه إرثه طويل الأمد”.
“إلا أن بايدن ومساعديه يعملون على تقديم دعم غير مشروط لإسرائيل، باعتباره العامل المهم وراء السقوط المذهل للأسد، قائلين إنه أدى لإضعاف جماعتين قويتين: حماس وحزب الله، ما جعل سقوط الأسد ممكنا”، استطرد التقرير نفسه.
وتابع: “رغم موافقة بعض الخبراء والمحللين بالشرق الأوسط، أنّ إدارة بايدن منعت لحد كبير حربا إقليمية شاملة كان من الممكن أن تجرّ الولايات المتحدة مباشرة إليها، إلا أنهم يشكّكون في رواية الإدارة التي تنسب قدرا كبيرا من الفضل للولايات المتحدة في أحداث لم يكن لها يد فيها، وكانت بالضرورة نتاجا لجهات إقليمية فاعلة”.
وأردف: “تقول الجماعات الإنسانية إن سقوط الأسد، مهما كان مفيدا، لا يحجب الموت والدمار في غزة. وقالت الإدارة أكثر من مرة وطوال الحرب: إسرائيل لم تبذل ما يكفي من الجهد للحد من الخسائر بين المدنيين، لكنها لم تفعل سوى القليل للضغط على بنيامين نتنياهو وحكومته لتغيير المسار”.
ووفق المقال ذاته، قال دبلوماسيون إن “إسرائيل أغلقت شمال غزة، وربّما تستعد لاحتلال طويل له، فيما يتكدّس حوالي مليوني فلسطيني بالنصف الجنوبي من القطاع، وسط ظروف بائسة، حيث تظل فيها المساعدات قليلة ومحدودة”.
ونقلت الصحيفة عن المحلل السابق في سي آي إيه وعمل في إدارة بيل كلينتون، والزميل حاليا في معهد بروكينغز، بروس ريدل، قوله: “هناك جزء من الحقيقة فيما يقولون، لقد وقفنا لجانب إسرائيل”.
“لكن بالنسبة لي، وفي أكثر من جانب هناك مبالغة نوعا ما، وهي بالتأكيد لا تلتفت للجزء المهم في جزء واحد من الشرق الأوسط، وهي الكارثة الإنسانية المروعة في غزة”، أضاف ريدل.
وفي السياق نفسه، أشار إلى استشهاد ما يقرب من 45,000 فلسطيني، وأصيب أكثر من 100,000 بغزة، منذ بدء الحرب. وأوضح ريدل: “هذه كارثة إنسانية ذات أبعاد ملحمية، ولم تفعل إدارة بايدن شيئا حقا لوقفها، عندما كانت لديها كل الوسائل في العالم للقيام بذلك”.
إلى ذلك، أبرزت الصحيفة، أنّ “دفاع بايدن القوي عن إسرائيل وحقها للدفاع عن نفسها ضد هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وكيف أن هجمات إيران وجماعاتها الموالية لها ضد إسرائيل، لم تترك له أي مجال. ومنذ ذلك الوقت، أضعفت إسرائيل حزب الله، واغتالت كبار قادته، بمن فيهم زعيمه حسن نصر الله. كما قتل الزعيم السياسي يحيى السنوار بغزة”.
وتابعت: “أيضا، ساعدت الولايات المتحدة وبدعم من حلفائها بمن فيهم الأردن، في إحباط هجومين إيرانيين على إسرائيل، أحدهما جاء بعد هجوم إسرائيلي على مجمع دبلوماسي إيراني في سوريا، والآخر أعقب مقتل نصر الله”.
واسترسلت: “الآن يناقش مسؤولو إدارة بايدن أن هذه النكسات جعلت إيران غير قادرة للدفاع عن حليفها الأسد في سوريا، بخاصة بعد تقدّم المعارضة وسيطرتها على المدن السورية الخاضعة لنظامه، الواحدة تلو الأخرى”.
“يضيفون إلى أن دعم أمريكا لأوكرانيا في تصديها للهجوم الروسي على أراضيها، أضعف موسكو أيضا، وجعلها غير قادرة للدفاع عن الأسد. ومن دون هاتين القوتين، انهار نظام الأسد بسرعة مذهلة”، وفق الصحيفة نفسها.
ونقلت عن بايدن قوله: “لسنوات، كان الداعمون الرئيسيون للأسد هم إيران وحزب الله وروسيا. ولكن خلال الأسبوع الماضي، انهار دعمهم، لأن الثلاثة أصبحوا أضعف بكثير اليوم ممّا كانوا عليه عندما توليت منصبي”.
وأضاف: “للمرة الأولى على الإطلاق، لم تتمكّن روسيا ولا إيران ولا حزب الله من الدفاع عن هذا النظام البغيض في سوريا. وهذه نتيجة مباشرة للضربات التي وجهتها أوكرانيا وإسرائيل للدفاع عن أنفسهما، بدعم لا يتوقف من الولايات المتحدة”.
واعترف مسؤول كبير في الإدارة، تحدث للصحيفة، شريطة عدم الكشف عن هويته، بـ”وجود -طرق أفضل- لإسرائيل لخوض حروبها، خاصة في غزة”. مضيفا: “إذا قمت بترتيب كل شيء، فمن الصعب جدا القول إنّنا لم نتخذ النهج الصحيح”.
وأبرز: “بالنسبة للمعاناة في غزة، بما في ذلك الجوع والنزوح والمرض، فيزعم مساعدو بايدن أن الرئيس ضغط عدة مرات على إسرائيل السماح بوصول مزيد من المساعدات، وانتزع بعض التنازلات المتواضعة من نتنياهو”.
ومع ذلك، أردف التقرير أنّ: “الكثير من الخبراء يحذّرون من أنّه من السابق لأوانه الحديث عن فجر جديد بالمنطقة، وبرغم الدراما التي أحدثها سقوط الأسد. وعليه فأي ادّعاءات بالفضل من قبل الإدارة قد تكون متعجلة. ما أصاب حزب الله وحماس من شلل لجانب سقوط الأسد”.
وأضاف: “الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للمسؤولين الأمريكيين هو احتمال استعادة تنظيم الدولة الإسلامية قوّته بسوريا وإمكانية تحولها لملاذ الجماعات المتطرفة. ويعتقد مراقبون أن مشهد الشرق الأوسط أكثر تعقيدا، والمسارعة للتأكيد على وجه واحد هو أمر تبسيطي للغاية”.
من جهته شبّه نائب رئيس معهد الشرق الأوسط، بريان كاتوليس، مزاعم الإدارة الأمريكية أو أي طرف ينسب الفضل لنفسه بأنها مثل: “ديك يصيح مع تشقق الفجر”.
وقال كاتوليس، إنّ: “العديد من الأحداث في الشرق الأوسط على مدى العام الماضي كانت مدفوعة في الغالب من قبل جهات فاعلة في المنطقة، وخاصة إسرائيل وإيران وشركاء إيران”.
وبحسب التقرير، فإنّه: “في محاولة نسبة الفضل لنفسها تميل الإدارة للتقليل من الثمن الإنساني الباهظ الذي دفعه المدنيون، فقد أسفر الغزو البري الإسرائيلي للبنان عن مقتل أكثر من 4,000 شخصا، واستمرت إسرائيل وحزب الله في تبادل إطلاق الصواريخ حتى مع سريان وقف إطلاق النار لمدة 60 يوما”.
واسترسل: “يقول الدبلوماسيون ومنظمات الإغاثة إن المعاناة في غزة لم تنته بعد. فقد شنت إسرائيل عملية عسكرية أخرى بشمال غزة في تشرين الأول/ أكتوبر، ما أدى لعزل مئات الآلاف من السكان عن المساعدات الإنسانية. ويبدو أن بعض ما حدث في شمال غزة يعكس، جزئيًا على الأقل، خطة حصار مثيرة للجدل ــ تعرف باسم “خطة الجنرالات” والتي دفع بها بعض أعضاء حكومة نتنياهو، اليمينية المتطرفة للسيطرة الكاملة على شمال غزة، ثم مساحات أكبر من القطاع”.
ووفق المقال نفسه، “تنفي إسرائيل رسميا أنها تنفذ خطة الحصار، وتقول حكومة نتنياهو إن هذه ليست سياسة رسمية، لكن أعضاء رئيسيين في ائتلاف نتنياهو، بمن فيهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتامار بن غفير، لم يخفوا رغبتهم في رؤية إسرائيل تحتل غزة بشكل دائم، وعودة المستوطنين اليهود إلى هناك في نهاية المطاف”.
وأبرز: “رغم الدعوات الأمريكية المتكررة لوضع خطة “اليوم التالي” في غزة والتي من شأنها أن تحشد دعم الدول العربية للمساعدة في إعادة الإعمار ودعم السلطة الفلسطينية لتحل محل حماس، لم توافق إسرائيل على أي خطة، وعليه فما سيحدث بعد انتهاء الحرب يظل غير واضح”، مردفا: “كان مجلس الشيوخ قد صوت في الشهر الماضي، ضد مشروع قرار، تقدّم به السناتور المستقل عن ولاية فيرمونت”.
أيضا، طالب بيرني ساندرز، بـ”منع ثلاث مبيعات للأسلحة الأمريكية لإسرائيل. وبينما فشل الإجراء، أيّد 19 عضوا ديمقراطيا في مجلس الشيوخ هذا الجهد جزئيا على الأقل، ما بعث رسالة غير مسبوقة من عدم الرضا من حزب بايدن نفسه بخصوص نهجه تجاه الشرق الأوسط”.
إلى ذلك، يتابع المقال: “يقوم مسؤولو بايدن الآن ببذل جهد أخير لصياغة وقف إطلاق النار على غزة، قائلين إن الفريق القادم للرئيس المنتخب، دونالد ترامب، يتعاون للمساعدة في تحقيق ذلك. فيما يقول المسؤولون إن الاتفاق يبدو أقرب من أي وقت مضى، مع الاعتراف بأن العديد من الجهود السابقة قد انهارت عندما بدا وكأن الاتفاق بات في متناول اليد”.
واختتم المقال بالقول: “لكن بعد أشهر من الأخبار السيئة المستمرة من الشرق الأوسط والانتقادات المتزايدة من أعضاء بارزين في حزب بايدن، قال بعض المحللين إنه من المفهوم أن ينتهز الرئيس، الذي لم يتبق له سوى أسابيع قليلة على مغادرة منصبه، حدثا غير متوقعا ومرحّبا به على نطاق واسع مثل سقوط الأسد”.
إلى ذلك، نقل المقال قول كاتوليس: “أتفهم سبب رغبة الإدارة التي لديها أكثر من شهر بقليل في السلطة، وتشارك في دبلوماسية اللحظة الأخيرة في تحويل أغنية حزينة حقا، وإظهارها بمظهر حسن، والحصول على ثناء”.