بريطانيا العمالية وسؤال الاعتراف بالدولة الفلسطينية

باسم برهوم

فاز حزب العمال البريطاني فوزا تاريخيا، وحصل على تفويض شعبي لم يسبق له مثيل منذ عقود طويلة، صحيح ان الأولية هي التصدي للازمات الاقتصادية والداخلية المتفاقمة، ولكن على صعيد السياسة الخارجية يمكن ان يكون الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مسألة تضع هذه الحكومة وبريطانيا في المكان الصحيح للتاريخ، وتطوي صفحة الظلم الذي تعرض له الشعب الفلسطيني بسبب السياسات البريطانية منذ وعد بلفور عام 1917، خصوصا ان التهمة الجاهزة للشعب الفلسطيني بأنهم عدميون ويرفض الحلول الواقعية قد سقطت، ولكن هذا التبرير الاستعماري لم يعد ممكنا، اليوم الفلسطينيون يقبلون بحل الدولتين، وإقامة دولتهم على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وانهم وقعوا اتفاق سلام مع إسرائيل.
لا أحد يتوقع تغيرات دراماتيكية في السياسة الخارحية البريطانية، فهذه الدولة مشدودة لتاريخها الاستعماري اكثر من اي دولة اخرى، ومرتبطة بتحالف لا يمكن فصله مع الولايات المتحدة الأميركية، وتنسق سياستها الخارجية معها في غالبية القضايا السياسية الرئيسية في العالم ومن بينها ما يتعلق بالشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.
فالدولة العميقة البريطانية، من الصعب التغلب عليها بسهولة مهما تغيرت الحكومات بين محافظين وعمال، ولكن هناك واقع في الشرق الأوسط يفرض نفسه على الجميع، وان المشكلة الرئيسية في المنطقة ان هناك دولة ناقصة في الشرق الأوسط هي فلسطين، ومن دون وجودها لن تستقر المنطقة والعالم.
هناك تيار قوي داخل حزب العمال البريطاني يدعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ويرفض هذا التيار حرب الابادة في قطاع غزة وارهاب المستوطنين والحكومة الإسرائيلية في الضفة، ولكن هذا التيار لم يستطع حتى الآن فرض موقفه ليصبح سياسة بريطانية رسمية. وهناك تشابه بين حزب العمال البريطاني والحزب الديمقراطي الاميركي. ففي كلا الحزبين تيار يساري قوي، لكن إذا ما اراد الحزبان الفوز بأي انتخابات فإنهما يجنحان نحو الوسط وبالتالي يكون هذا الجنوح على حساب القضية الفلسطينية.
من هنا لا أرى أن بريطانيا العمالية، وبالرغم من وجود تيار واسع داخل حزب العمال يؤيد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فان هذه الخطوة ستبقى مرتبطة اكثر بالسياسة الأميركية، فلن تقدم بريطانيا على الاعتراف بفلسطين اذا لم تكن واشنطن تريد ذلك، او ان تعطي الضوء الاخضر لمثل هذا القرار الاستراتيجي، كما علينا ان ندرك ان هناك جدارا سميكا من ثقافة دينية متجذرة لدى الانجليز في دعم فكرة الدولة اليهودية. من هنا ما يمكن ان نتوقعه هو اتباع سياسة بريطانية اكثر ليننا تجاه الشعب الفلسطيني، وأقل اندفاعا في تأييد حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، كما كان هو الحال مع حكومة المحافظين، وان تكون اكثر حماسا لوقف اطلاق النار ووضع حد لحرب الابادة.
من دون شك ان طريق لندن اصبحت أسلس وأسهل للحوار، وقد تكون هناك نافذة مهمة للعمل وبذل جهد اكبر سواء مع الحكومة العمالية او الرأي العام البريطاني، ولا أعتقد أنه من المفيد ان نبقى متخندقين في التاريخ عند التعامل مع هذه الحكومة، وانما ان نفتح معها قنوات الحوار مع الاصرار ان على عاتق بريطانيا تقع مسؤولية خاصة بما يتعلق بالشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وان هناك تاريخا لا بد من تصحيحه. الحقيقة المهمة ان حزب العمال يختلف عن حزب المحافظين، وهذا الاختلاف يتطلب التعامل معه بإيجابية والاستفادة منه قدر الامكان بالتعاون مع التيارات الداعمة للاعتراف بالدولة الفلسطينية داخل الحزب.
هناك فرصة رغم ادراكنا للعقبات الكبيرة، ولكن في السياسة ليس هناك مواقف قاطعة الى الأبد، وبالمقابل وبقدر ما هي مسؤوليتنا ان نطرق كل الأبواب، فإن حكومة حزب العمال عليها، ان تغير مسار الظلم وان تكون أكثر توازنا عندما تنظر إلى الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، خصوصا ان بريطانيا هي الأكثر خبرة وإطلاعا وعلاقة بهذا الصراع، فالسؤال هو ستقدم هذه الحكومة على خطوة من شأنها مسح تاريخ بريطانيا الاستعماري وتداعياته الكارثية؟

شاهد أيضاً