بعد إنجاز 50% منه – لماذا فكّك البنتاغون ميناء غزة العائم

السياسي – في خطوة جديدة ومفاجِئة، وبعد بناء الجيش الأمريكي 50% من “الميناء العائم” بالقرب من سواحل غزة، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”، في الثالث من مايو/ أيار الجاري، تعليق العمل مؤقتا في بناء “الرصيف البحري” الذي كان من المقرر تشييده “لتعزيز إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة”، ونقل أعمال التجميع إلى ميناء “أسدود” الإسرائيلي.

جملةٌ من التساؤلات التي تثار حول تفكيك الولايات المتحدة للرصيف البحري في غزة، بعد أسبوع من العمل عليه وقبل افتتاحه أساسا، وماذا عن اختيارها هذا الوقت بالتحديد؟ ولماذا ميناء أسدود؟ وما هي الدوافع الأمريكية الحقيقية وراء ذلك؟

ماذا قالت أمريكا؟..

بالحديث عن الأسباب الأمريكية المعلنة حول تعليق العمل في “الرصيف البحري”، قال الجيش الأمريكي إن القيادة المركزية الأميركية أوقفت -مؤقتا- التجميع البحري للرصيف العائم في جوار غزة لاعتبارات الحالة البحرية، فإن الرياح العاتية والأمواج العالية المتوقعة في البحر تتسبب في ظروف غير آمنة للجنود العاملين على سطح الرصيف غير مكتمل البناء”.

وأضاف أن الرصيف غير المكتمل والسفن العسكرية المشاركة في تشييده انتقلت إلى أسدود، حيث تستمر أعمال التجميع.

وفي 25 أبريل/ نيسان 2024 أعلن “البنتاغون” بدأ بناء الميناء العائم بغزة، بتكلفة تصل إلى 320 مليون دولار على الأقل، وقالت في وقت سابق مطلع مايو/ أيار إنها استكملت بناء أكثر من 50% منه.

“أسباب غير منطقية”..

وحول حقيقة إيقاف العمل مؤقتا بالميناء، والذي عزته الولايات المتحدة إلى “سوء الأحوال الجوية”، يرى المحلل السياسي سليمان بشارات أن معطيات كثيرة تشكك في حقيقة الأسباب المُعلنة، “وتقودنا للقول إنها غير منطقية”.

ولفت بهذا الصدد إلى قدرات الجيش الأمريكي العسكرية الضخمة، وتجاربه السابقة في بناء الأرصفة البحرية فهذا ليس أول ميناء عائم يشيده، إذ عمل هذا الجيش في ظروف مناخية أصعب من ظروف بسيطة كغزة.

وشدد على أنه “إذا كانت المعضلة هي الظروف المناخية فعلا، فكان من الممكن التوقف لحين العمل على تهيئة الأوضاع مرة أخرى ثم استكمال إتمامه، ولكن أن يتم تفكيكه ونقله بكل معداته من قبالة سواحل غزة إلى ميناء أسدود، فهذا يؤكد أنها مجرد مبررات واهية”.

ويرى “بشارات” أن هناك عاملين وراء تفكيك الميناء؛ أولهما الخشية من البعد الأمني.

ويضيف: “أمريكا قد تكون اكتشفت أنها لن تستطيع أن توفر الحماية لهذا الميناء بعد إنجازه في ظل استمرار الحرب، وبالنظر لقدرات المقاومة، ما يجعله هدفا سواء للمقاومة الفلسطينية بغزة أو حتى من الجبهات الأخرى، كالجبهة الشمالية (حزب الله في لبنان)، أو حركة الحوثي في اليمن، أو المقاومة الإسلامية بالعراق.

وبذلك يصبح الميناء سببا في تعاظم إمكانيات التأثير على التواجد الأمريكي في محيط سواحل البحر المتوسط وقطاع غزة.

ويتمثل العامل الثاني بالقراءات السياسية المستقبلية، فقد حاولت إسرائيل أن تستغل وتستثمر هذا الميناء لخلق واقع سياسي مستقبلي بقطاع غزة وتثبيت دعائم إسرائيلية هناك، وجرى الحديث في أكثر من محطة أن الجيش الإسرائيلي سيوفر حماية أمنية أيضا لهذا الميناء.

واستطاعت أمريكا أن تقرأ الآن أنه إذا لم يستطع الجيش الإسرائيلي توفير الحماية لجنوده في محور “نتساريم” فكيف سيستطيع توفيره لمنشأة عسكرية أمنية تتبع للجيش الأمريكي على سواحل قطاع غزة؟

وهكذا، يبدو أن هناك قرارا أمريكيا قد اُتخذ بالمرحلة الأخيرة مفاده طالما أن هذه المعطيات اللازمة لبناء الميناء لم تعد قائمة، فليس هناك داعٍ لاستكماله”، وفقا لـ “بشارات”.

شعورٌ أمريكي بالفشل..

من جهته، يتفق الباحث والكاتب السياسي عصمت منصور، مع “بشارات” في مسألة الشعور الأمريكي بجدوى وجود الميناء بالوقت الحالي.

ويضيف أنه “بالرغم من ضبابية وغموض المعلومات الحقيقية حول ما تريده أمريكا بشأن الميناء العائم بغزة، إلا أنه على ما يبدو أن أمريكا ربما بدأت تشعر بفشل مشروع الميناء، وذلك بوضعها أمام ناظريها سياق غزة ككل، وترتيبات وضعها وحالها خلال الحرب وما بعدها”.

وعن توقيت تفكيك الميناء بهذا الوقت تحديدا، يجيب “منصور” أن “الولايات المتحدة تبحث عن أوراق تضغط فيها على إسرائيل بمسألة المفاوضات الجارية والتوصل لاتفاق هدنة، وهي ترى أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لا يستجيب لها، ولا يأخذ بمصالحها المتمثلة بضرورة التوصل لهدنة بهذا الوقت.

وهذا يقتضي الآن -وفق منصور- العمل على تفكيك الميناء وتعليق العمل فيه مؤقتا، ونقله لميناء أسدود كخطوة ضغط على “نتنياهو” بالوقت الحالي، وهذا مما تحدث عنه الإعلام الإسرائيلي.

وفي وقت سابق، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية “إن تفكيك الرصيف ينسجم مع التطورات التي تخص مفاوضات الهدنة وإصرار المقاومة على تفكيك محور “نتساريم” وانسحاب جيش الاحتلال من المحور، لأن الرصيف كان من المفترض أن تتحكم فيه قوات قادمة من نقطة “نتساريم”، ولن تسمح إسرائيل بوجود ميناء لا تديره أو تشرف عليه”.

“اليوم التالي للحرب”..

من ناحيته، يقول المحلل السياسي ساري عرابي، “إن فشل الحرب العدوانية على الفلسطينيين في غزة بتحقيق أهدافها، وصمود المقاومة وحركة “حماس”، جعلت الأفكار الأمريكية الإسرائيلية لوضع رؤية واضحة حول اليوم التالي للحرب، وإعادة هندسة قطاع غزة من النواحي الاجتماعية والسياسية والأمنية، متعرقلة حتى الآن”.

ويستدرك أن هناك تفاوتا في الرؤى ووجهات النظر الأمريكية والإسرائيلية حول فكرة الرصيف البحري أساسا، لاسيما وأنه بحاجة إلى قوى داخل قطاع غزة لإدارة الرصيف وإدخال المساعدات وتوزيعها.

ويضيف “من الواضح أنه كان هناك رهانٌ أمريكي إسرائيلي على إقصاء حماس وخلق قوة محلية فلسطينية بديلة في سبيل هندسة الواقع الغزي من جديد، ولكن يبدو أن كل هذه الأفكار متعثرة حتى الآن، ما دفع الولايات المتحدة لتفكيك الميناء”.

ويتفق “منصور” و”عرابي” على أن نقله إلى ميناء “أسدود” جاء بحكم القرب المكاني ليس أكثر من ذلك، فإن المسافة بين مكانه السابق المقرر على سواحل غزة وميناء أسدود تقدر بعشرات الكيلومترات فقط، ما يجعل إجراءات التفكيك والنقل أسهل وأسرع.

إنسانية مشبوهة..

وبعيدا عن تفكيك الميناء العائم، ورجوعا لهدف إنشائه أساسا والذي أعلنت الولايات المتحدة أنه جاء ل “دواعٍ إنسانية” ولإيصال المساعدات، فيتفق الجميع أن هذه “إنسانية مشبوهة” ومشكوك فيها أساسا.

فما الذي يجعل أمريكا تفتح رصيفا بحريا يكلفها ملايين الدولارات من أجل إرسال المساعدات فحسب؟ فلماذا لا تضغط على “إسرائيل” لفتح المعابر ودخول المساعدات براً، وهناك أكثر من معبر بري في قطاع غزة؟

ويرى أن لأمريكا دوافع أخرى من إنشاء الميناء العائم بغزة، تتمثل بأبعاد جيوسياسية بأن تلعب دورا جغرافيا وسياسيا مؤثرا على أرض قطاع غزة، وأبعاد اقتصادية متمثلة بالسيطرة على غاز غزة، عدا عن استغلال الميناء تجاريا واقتصاديا من خلال المشاريع التي ستتدفق إلى قطاع غزة بعد الحرب، وغيرها من أبعاد أمنية استراتيجية.

شاهد أيضاً