بعد الحرب مع إيران: إلى أين تمضي إسرائيل؟

بقلم: محمد التاج

رغم الضجيج الإعلامي الذي صاحب الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل، فإن أكثر ما يخشاه الفلسطينيون ليس مجريات الحرب نفسها، بل ما سيأتي بعدها. فالمعركة، سواء انتهت بهدنة غير معلنة أو بترتيبات إقليمية خلف الطاولة، ليست نهاية المطاف، بل بداية مرحلة جديدة تحمل في طياتها مخططات إسرائيلية أكثر خطورة وعمقًا.
غزة: مرحلة “ما بعد الإبادة”
منذ أكتوبر 2023، تخوض إسرائيل حربًا إبادة ممنهجة ضد قطاع غزة، بدأت بالحصار والتجويع، ثم اتخذت طابعًا أكثر وحشية مع سياسة “مصائد الموت” التي تستهدف المدنيين في طوابير المساعدات. ومع انحسار التوتر الإيراني، ستعود غزة إلى واجهة الاستهداف الإسرائيلي، ليس فقط عسكريًا، بل ديمغرافيًا وسياسيًا. مشروع “نزع حماس” سيتحول إلى سياسة فرض واقع جديد: غزة دون مقاومة، دون سيادة، وربما دون سكان.
إعمار غزة بشروط الاحتلال:
قد تُطرح مشاريع إعادة إعمار غزة، لكن ليست كواجب إنساني، بل كسلاح سياسي. الشروط واضحة: لا إعمار بلا نزع السلاح، لا دعم بلا تطبيع، ولا مستقبل لغزة دون تفكيك المقاومة. وهكذا تتحول المساعدات من أداة إغاثة إلى وسيلة ابتزاز استراتيجي.
الضفة الغربية: استيطان بلا كوابح
في ظل انشغال العالم بتبعات الحرب الإقليمية، تتسارع آلة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس. المشاريع الاستيطانية الكبرى التي كانت تنتظر “فرصة سياسية” تجد الآن غطاءً مثاليًا. في المقابل، سيتم الضغط على السلطة الفلسطينية لإعادة تعريف دورها: ليست كقيادة سياسية، بل كأداة أمنية لضبط الفلسطينيين، مقابل وعود واهية بإعادة الإعمار أو تحسين الاقتصاد.
التحالف الإقليمي الجديد: ناتو على المقاس الإسرائيلي:
إسرائيل لن تكتفي بالتهدئة مع إيران، بل ستعمل على استثمار نتائج الحرب في بناء تحالفات إقليمية أمنية تحت شعار “محور الاعتدال”. ما يجري هو دفع باتجاه تحويل التعاون الأمني مع بعض الدول العربية إلى صيغة علنية: “ناتو شرق أوسطي”، مهمته ان يستهدف كل ما تبقى من روح المقاومة أو الاستقلال في المنطقة.
ماذا بعد؟
إسرائيل لا ترى في نهاية الحرب مع إيران مناسبة للتهدئة، بل نقطة انطلاق لمشاريع الهيمنة. وهي لا تتحرك كدولة تبحث عن أمن، بل كقوة استعمارية تسعى لفرض وقائع جديدة على الأرض، عبر الدم أو الحصار أو الدبلوماسية القسرية.
لكنّ التاريخ علّمنا أن إرادة الشعوب لا تُهزم بآلة الحرب وحدها. فكما فشل العدوان في كسر غزة، فإن الصراع مع المشروع الصهيوني لم يكن يومًا صراع جيوش فقط، بل هو صراع وعي، وإرادة، وذاكرة لا تموت.