السياسي – نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرًا أعدّه إريك سولومون وسناء محوزي قالا فيه إن إيران، بعد الهجمات الإسرائيلية على منشآتها العسكرية والنووية، بدأت حملة ضد العدو في الداخل. فبعد الغارات الإسرائيلية، طلبت السلطات الإيرانية الإبلاغ عن شخص يحمل حقائب، أو يرتدي نظارات شمسية ليلًا أو قبعات، وهو أمر نادر في إيران.
وحثت السلطات الجمهور على الإبلاغ عن لوحات السيارات المسروقة، أو شاحنات البيك آب ذات الصناديق المغطاة، أو الشاحنات التي تتحرك في ساعات غريبة. وحذروا من أن كل هذه الأمور قد تكون علامات دالة على وجود أعداء يعملون من الداخل. وإذ تعاني إيران من سعة ونطاق الضربات الإسرائيلية هذا الشهر، فإنها تقوم بمطاردة مكثفة للمتسللين والجواسيس المشتبه بهم، وتعتمد على الجمهور في هذه الحملة.
وبينما اعتقلت السلطات مئات الأشخاص، فقد سُرّعت محاكمات وإعدامات الجواسيس المزعومين، وجرى تعديل قانون لتوسيع نطاق استخدام عقوبة الإعدام لأي شخص تثبت عليه تهمة التجسس.
ونظرًا لحجم حملة الاعتقالات، حتى بعد وقف إطلاق النار الأسبوع الماضي، يخشى البعض في إيران أن تتحول هذه الحملة إلى قمع جديد للمعارضين السياسيين من قبل حكومة لها تاريخ طويل في قمع المعارضة.
ونقلت الصحيفة عن هادي قائمي، مدير مركز حقوق الإنسان في إيران، قوله، في بيان، يوم الخميس: “كأسد جريح، تلاحق الجمهورية الإسلامية كل تهديد متصور في البلاد بقوة مميتة”.
ولإسرائيل تاريخ حافل في التسلل إلى إيران لجمع المعلومات الاستخبارية وتنفيذ الاغتيالات والتخريب. ويقول مسؤولون من كلا الجانبين إن إسرائيل استعرضت، خلال الحرب الأخيرة، قدرتها على بناء شبكات وشن هجمات واسعة النطاق من داخل إيران.
وقال مسؤولون إيرانيون إنهم عثروا على عدد من الأدلة التي يقولون إنها تشير إلى أن جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي، الموساد، يتلقى مساعدة من عملاء على الأرض. وتشمل هذه الأدلة، وفق السلطات، تجميع ونشر صواريخ إسرائيلية داخل البلاد، واكتشاف آلاف الطائرات المسيّرة الصغيرة في العاصمة طهران.
وقال محمد علي شعباني، المحلل الإيراني ورئيس تحرير موقع “أمواج ميديا” الإخباري المستقل، الأسبوع الماضي: “من الواضح أن الموساد لديه شبكة واسعة جدًا داخل إيران، وربما 90% منهم محليون. السؤال الأهم هو: من هم؟ أصابع الاتهام موجهة في كل مكان”.
وفي غضون ساعات من أول ضربة لإيران، في 13 حزيران/يونيو، كشفت إسرائيل عن مدى دقتها في المعلومات الاستخبارية بقتلها عددًا من كبار الجنرالات والعلماء النوويين في منازلهم. وأدت الهجمات أيضًا إلى تدمير منصات إطلاق الصواريخ والدفاعات الجوية، وأجبرت المرشد الأعلى لإيران على الاختباء.
وقال مهدي محمدي، كبير مستشاري رئيس البرلمان الإيراني، في تسجيل صوتي: “لقد شهدنا اختراقًا أمنيًا واستخباراتيًا هائلًا. لا يمكن إنكار ذلك”.
ولسنوات، عانت الحكومة الإيرانية من مشكلة الاختراقات. والآن، تأتي حملة التجسس التي تشنها على مستوى البلاد في وقت حساس للغاية.
وقال إيرانيون تحدثوا إلى “نيويورك تايمز”، ومنهم نقاد للحكومة، إنهم يتفهمون مخاوف طهران الأمنية، وهو شعور نابع من الغضب الوطني إزاء الخسائر المدنية الناجمة عن الهجمات الإسرائيلية. لكن المسؤولين الإيرانيين لم يظهروا ميلًا علنيًا للاعتراف بإخفاقاتهم الاستخباراتية الكاسحة، حتى في الوقت الذي يواصلون فيه حملة قمعية صارمة تقول جماعات حقوق الإنسان إنها تؤثر بشكل غير متناسب على الأقليات العرقية والدينية، وشخصيات المعارضة، والأجانب.
وتقول هذه الجماعات إن العديد ممن اعتُقلوا خلال الأسبوعين الماضيين احتُجزوا دون أوامر اعتقال، ولم يُسمح لهم بمقابلة محامين. وأعربت منظمة العفو الدولية (أمنستي إنترناشونال) عن قلقها إزاء المحاكمات المستعجلة “والجائرة جدًا” وعمليات الإعدام في عدة قضايا، ووصفت الإجراءات الإيرانية الأخيرة بأنها “محاولة مضللة لاستعراض القوة”.
ولم يستجب المسؤولون الإيرانيون لطلب التعليق.
وفي يوم الأربعاء، نشر الموساد مقطع فيديو نادرًا لمديره، ديفيد بارنياع، وهو يرحب بغرفة مليئة بالعملاء، ووجوههم مشوشة، لعملهم في إيران. وقال: “سنكون هناك كما كنا هناك حتى الآن”.
وتعهدت وزارة الاستخبارات الإيرانية بمواصلة “جهادها الاستخباراتي” بلا شك ضد العملاء الإسرائيليين.
ولا تزال الحكومة، التي أقرت بقطع الإنترنت في إيران لأيام خشية وقوع هجمات إلكترونية، تحث الإيرانيين على تجنب مواقع التواصل الاجتماعي الدولية، والالتزام بالمنصات الإلكترونية المحلية.
ولن يتردد العملاء الأجانب الساعون للتجنيد في إيران في العثور على مواطنين ساخطين بين سكانها البالغ عددهم نحو 90 مليون نسمة.
ولعقود، شهدت إيران فترات من الاحتجاجات الشعبية، قوبلت بقمع مميت. وقد تكون هناك أيضًا حوافز مالية قوية للتجسس، في ظل غرق إيران في أزمة اقتصادية خانقة ناجمة عن عقود من العقوبات الغربية وسوء الإدارة الحكومية.
وقالت سرور، 39 عامًا، وهي من سكان طهران، إنها تعتقد أن هناك شبكة واسعة من الجواسيس في البلاد. وطلبت عدم الكشف عن هويتها إلا باسمها الأول، خوفًا من عواقب التحدث إلى الصحافيين الدوليين: “في حينا تم الإبلاغ عن وجود مخبأ”، مضيفة أنها شاهدت السلطات تعتقل عدة أشخاص، وتُزيل طائرات مسيّرة من الموقع. وقالت: “رأيت كل ذلك بنفسي”.
وتقول السلطات الإيرانية إن شركاء إسرائيل على الأرض كانوا يستخدمون مخابئ لتجميع الصواريخ والطائرات المسيّرة التي كانت تُنقل سرًا وتُخزن وتُفجر. وقد سمحت لوسائل الإعلام المحلية بتصوير ما وصفته بورش عمل ومقصورات لإخفاء الطائرات المسيّرة على شاحنات. لكن صحيفة “نيويورك تايمز” لم تتمكن من التحقق من صحة الفيديوهات بشكل مستقل.
وفي محاولة منها للكشف عن هذه الخلايا، نشرت السلطات الإيرانية إشعارات على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، مصحوبة أحيانًا برسوم كاريكاتورية لمخربين يستخدمون أدوات ويجمعون المعدات.
وجاء في أحدها: “إذا كنت قد أجّرت عقارك أو منزلك في الأشهر الأخيرة، سواء بطرق تقليدية أو غير تقليدية، تحت ستار الاستخدام السكني لشركة على المدى القصير أو الطويل، فتأكد من الإبلاغ عن الأمر”، وذلك بحسب بيان نشرته وكالة أنباء “فارس” التابعة للحكومة، باسم أحمد رضا رادان، قائد شرطة إيران.
ومنذ الهجوم الإسرائيلي على إيران، في 13 حزيران/يونيو، تقول السلطات الإيرانية إنها اكتشفت أكثر من 10,000 طائرة مسيّرة صغيرة في طهران وحدها، وفقًا لما ذكرته وكالة “فارس”.
وقد استُخدمت هذه الطائرات المسيّرة الصغيرة، التي تعمل أحيانًا بواسطة الذكاء الاصطناعي، في بعض عمليات الاغتيال الأخيرة لعلماء مرتبطين بالبرنامج النووي، بحسب مسؤولين أمنيين إيرانيين نقلت عنهم “فارس”.
وفي سعيها لتشجيع التعاون العام، تسعى السلطات إلى الإعلان بانتظام عن أن اعتقالاتها، أو مصادرة أسلحتها جاءت بمساعدة من الإيرانيين العاديين.