بعد خسائرها الأفريقية – باريس تتجه لإعادة الثقة مع الرباط

السياسي – مُنيت فرنسا بخسائر استراتيجية كبيرة، خلال السنوات الأخيرة في عدد من الدول الأفريقية، التي دخلت في شبه قطيعة معها بعد إنهاء تواجدها العسكري هناك.
طرحت التحركات الفرنسية، لتعزيز العلاقات بشكل أكبر مع المغرب الشريك التاريخي لفرنسا، تساؤلات هامة رغم التوترات، التي شابت العلاقات في الآونة الأخيرة، خاصة بشأن ما إن كانت فرنسا تعوض فقدها للعديد من البلدان في علاقة أكبر مع الرباط.
وتخشى باريس انسحابا رابعا من تشاد، بعد اضطرارها لسحب قواتها من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، بين عامي 2022 – 2023.
وفي فبراير/ شباط 2024، أكد وزير الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورني، أن “الوقت قد حان للمضي قدما بالنسبة لبلاده والمغرب”.
وأعلن سيجورني، حينها، أنه سيعمل “شخصيا” على تحقيق التقارب بين فرنسا والمغرب، اللتين ضعفت علاقاتهما في السنوات الأخيرة، وفق تصريحاته للصحافة الفرنسية.
وفي سبتمبر/ أيلول 2023، نشأ جدل جديد عندما عرضت فرنسا مساعدتها للمغرب الذي ضربه الزلزال، وهي المساعدات التي تجاهلتها الرباط، ثم بدت العلاقات وكأنها وصلت إلى طريق مسدود، قبل أن يعترف السفير الفرنسي لدى المغرب، في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بأن قرار تقييد حصول المغاربة على تأشيرات فرنسية كان خطأ، ثم تم تعيين سفيرة مغربية في فرنسا، بعد أشهر من شغور المنصب.
يقول الخبير في العلاقات الدولية لحسن أقرطيط، أن “هناك إعادة تموضع جديد للمقاربة الفرنسية تجاه العلاقات مع المغرب، خاصة بعد تراجع النفوذ الفرنسي على مستوى القارة الأفريقية”.
وأضاف أقرطيط، أن “الأزمة الدبلوماسية الشديدة بين البلدين السنوات الماضية، أثرت على مستوى العلاقات بين البلدين، إثر الأخطاء الفادحة التي ارتكبها الجناح السياسي المحسوب على الرئاسة الفرنسية تجاه المغرب”.
وأشار إلى أن “فرنسا أدركت التغير الذي حدث على مستوى موازين القوى، بعد اتخاذ المغرب قراره بتوازن وتنويع علاقاته”.
وشدد على أن” باريس تعمل ضمن مقاربة لإعادة الثقة مع المغرب، في الوقت الراهن، والتي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الموضوعية الجديدة المتعلقة بوضع المغرب على مستوى موازين القوى الإقليمية، والقرار السيادي الوطني، والتوجه نحو شراكات جديدة مع الدول الصاعدة والكبرى”.
وشدد على أن “تكليف وزير الخارجية الفرنسي من قبل الرئيس ماكرون لإعادة العلاقات على ما كانت عليه، هي رسالة سياسية كبيرة من قصر الإليزيه للرباط، ويشير إلى أن فرنسا أمام اختبار صعب، خاصة أنها كانت الشريك التاريخي والأول مع المغرب، لكنها خسرت كثيرا في أزمتها الأخيرة”.
في الإطار، يقول الخبير في العلاقات الدولية، السرحاني علي، إن “تطور العلاقات بين فرنسا والمغرب، لم يأت على حساب تراجع علاقتها في العمق الافريقي، خاصة أن العلاقات بين البلدين ممتدة منذ عقود”.
وأضاف علي، أن “العلاقات بين البلدين رغم ما يشوبها تبقى في مستويات عميقة، مع الأخذ في الاعتبار تميز العلاقات بين المغرب ودول الغرب الأفريقي، والتي يمكن أن يستثمرها في تحسين العلاقات بينها وبين فرنسا مجددا”.
وأوضح أن المصالح “الدائمة بين فرنسا والمغرب والدول الأفريقية، يمكن أن تنتصر على الخلافات العابرة، والتي لا يمكن أن تكون دائمة، كما هو الأمر بالنسبة للصداقة”.
وأشار علي إلى أن “فرنسا هي المستثمر الأول في المغرب، على مدار نحو 25 عاما الماضية، رغم دخول استثمارات خليجية في الوقت الراهن”.
وفق الخبير في العلاقات الدولية، فإن “فرنسا أوعزت لجميع شركاتها بإمكانية الاستثمار في الأقاليم الجنوبية، في كافة المجالات المتاحة للاستثمار هناك”.
ورغم أن الرباط كانت أول وجهة مغاربية للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بعد توليه الرئاسة عام 2017، وهي الزيارة التي وصفت بـ”زيارة صداقة خاصة”، إلا أنه سرعان ما توترت العلاقات، التي أصبحت في حالة تذبذب وتراجع مقارنة بفترات نموها في عهد الرئيسين المحافظين جاك شيراك، ونيكولا ساركوزي.

شاهد أيضاً