بين الإدانة والدعم… مفارقات الموقف العربي والإسناد الأميركي المطلق لإسرائيل

د. ماهر عامر

منذ أكثر من سبعين عامًا، تواصل الولايات المتحدة تقديم دعم مطلق لإسرائيل، ليس فقط بالسلاح والسياسة، بل وبالغطاء الدبلوماسي الكامل. فقد استخدمت واشنطن حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن بالأمس وبالتالي وصل عدد مرات استخدام الفيتو 51 مرة لصالح إسرائيل ولإجهاض أي قرار يقيّد الاحتلال أو يحاسبه على جرائمه، مؤكدة بذلك شراكتها الاستراتيجية مع تل أبيب حيث تتناغم الخطط والتقارير لتأمين مصالح إسرائيل الإقليمية. فالولايات المتحدة ليست مجرد داعم لإسرائيل، بل شريك فعلي في تقويض أي مسار نحو دولة فلسطينية مستقلة، وتعمل مع الاحتلال على إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يضمن الهيمنة العسكرية الإسرائيلية وتكريس تفوقها الاستراتيجي. وتثبيت الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة. هذا الدعم لم يكن محصورًا في المجال العسكري أو السياسي، بل امتد إلى تشكيل مواقف دولية واضحة تمنح إسرائيل حرية التحرك دون أي رادع حقيقي.

في المقابل، يظل الموقف العربي والإسلامي أسير بيانات شجب وإدانة لا ترتقي إلى مستوى الأحداث المأساوية على الأرض. فبينما يتعرض الشعب الفلسطيني لجرائم إبادة وتطهير عرقي وتهجير قسري وحصار وحرب مجاعة، تكتفي العواصم العربية والإسلامية بردود رمزية، بعيدة كل البعد عن الفعل السياسي أو الاقتصادي أو الدبلوماسي الذي يمكن أن يردع المعتدي. وهذا التردد يشجع إسرائيل وحليفتها واشنطن على التمادي في سياساتهما، ويجعل معاناة الفلسطينيين مستمرة بلا نهاية واضحة. والادهى أن زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى اسرائيل قبيل انعقاد القمة العربية الإسلامية الطارئة جاءت لتؤكد هذه الحقيقة: رسالة مباشرة بأن واشنطن تقف بكل ثقلها إلى جانب إسرائيل، وأن معادلة المنطقة محسومة سلفًا – إسرائيل في كفة، والعرب والمسلمون في كفة أخرى.

المفارقة المؤلمة تتجلى بوضوح في تعامل الدول العربية والإسلامية مع الأحداث: فعندما يُستهدف الوفد المفاوض في قطر تُعقد اجتماعات طارئة وتصدر بيانات غاضبة وتتداعى على عجل بينما يسيل الدم الفلسطيني أنهارًا بشكل يومي ويُدمَّر قطاع غزة وتسلب الضفة الغربية وتقطع اوصالها وتتحول مدرنها وقرها الى كنتونات معزولة، ولا تحرك العواصم العربية ساكنًا،. وحتى القرارات التاريخية الأميركية، مثل اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها في ديسمبر 2017، لم تُحدث سوى بيانات رفض وقلق عربية وإسلامية، لم تُترجم إلى أي خطوات عملية تؤثر في المعادلة.
ولنقارن هذا بالصورة الغربية في الأزمة الأوكرانية: أوروبا والولايات المتحدة تدعم أوكرانيا بالسلاح والمال والمواقف السياسية الحاسمة، مشهد يعكس معنى الحسم والوضوح. أما العرب، فقد جسّدوا الحسم فقط حين استدعاهم الأميركيون إلى حرب اليمن، فاستجابوا بلا تردد لتنفيذ الأوامر الأميركية. ولكن حين يتعلق الأمر بفلسطين، حيث يواجه شعب أعزل إبادة جماعية، يكتفي النظام الرسمي العربي ببيانات لا تسند مقاومة ولا توقف المجازر.

ما يجري اليوم يمثل عارًا تاريخيًا موثقًا: شعب فلسطيني يواجه حرب إبادة وتطهير عرقي وتجويع قسري، بينما تكتفي القمم العربية والإسلامية ببيانات لا تتجاوز الحبر الذي تُكتب به. المطلوب واضح: موقف عربي وإسلامي جاد، يترجم الشعارات إلى أفعال سياسية، اقتصادية ودبلوماسية، ويضع حدًا لاستغلال الاحتلال وحلفائه بل شركاءه الامريكان. فإما أن يتحول الغضب إلى فعل حقيقي، أو يبقى العرب رهائن خنوعهم، يراقبون الذئب ينهش قلب الأمة.