*مروان أميل طوباسي
تعتبر إسرائيل أكبر متلقٍ تراكمي للمساعدات العسكرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث قدمت إدارة بايدن الحالية الديمقراطية ، التي تشغل فيها المرشحة كامالا هاريس منصب نائب الرئيس اضافة الى كل اشكال الدعم السياسي والدبلوماسي من الحصانة ، ما لا يقل عن ١٧,٩ مليار دولار كمساعدات عسكرية خلال العام الماضي وحده وأثبتت انها شريكة بالمطلق بكل الجرائم المتقادمة والجارية بحكم المسوؤلية.
— هاريس لا يُمكنها امتلاك خطة للسلام .
الآن يواجه الحزب الديمقراطي تحديات داخلية، حيث تُعبر الأقليات والمجموعات المؤيدة للحق الفلسطيني عن استيائها من السياسات الخارجية للحزب والإدارة ، التي لا تزال تُعطي الأولوية للتحالف مع إسرائيل على حساب قضايا حقوق الإنسان والقرارات الدولية والقانون الدولي .
على الرغم من تصريحات بعض التقدميين بالحزب الديمقراطي مثل رشيدة طليب وبيرني ساندرز الذي وجه امس نداء يفاضل به هاريس عن مخاطر ترامب ويدعو الى التصويت لها وفق طلبا من هاريس على ما يبدوا باعتقادي لتبرير هروبها من استحقاقات مطالب وجهها لها فلسطينيين ومناصري الحق الفلسطيني من أمريكيين وجنسيات اخرى خلال الفترة القريبة الماضية والمتمثلة في استخدام مصطلح الإبادة الجماعية والالتزام في حال فوزها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود ١٩٦٧ بما فيها القدس الشرقية وعدم إعاقة ذلك بالمنظمات الأممية ، الامر الذي لم تنفذه ولم ترد عليه وفق معلوماتي حتى الان بل وتم ايقاف الاتصالات التي كانت جارية بين أدارة حملتها ومجموعات الحق الفلسطيني متعددة الأصول . هذا الى جانب ما صرح به بيل كلينتون اليوم بان كاميلا هاريس لا تملك خطة السلام بالشرق الاوسط ، كما ولا يمكنها امتلاك واحدة .
رغم ان الذين يدعمون علنا حلاً عادلا للقضية الفلسطينية من بين اوساط الحزب الديمقراطي والملتزمين مع هاريس ، فان تأثيرهم بحكم تركيبة الحزب والمصالح يبقى محدودا أمام القوى الداخلية المؤثرة والمقررة في الحزب الديمقراطي وفي الدولة العميقة ، والتي تشكلها التحالفات بين المجمع الصناعي العسكري والشركات المتعددة الجنسيات القريبة من الحزب الديمقراطي ، الى جانب المجموعات القومية والدينية المحافظة والمحافظين الجدد من الحزب الجمهوري . ولو كان الامر غير ذلك لما كنا قد عايشنا جرائم الإبادة والتطهير العرقي والمحارق الجارية الان بحق شعبنا ، كما شاهدناها في السابق في لاوس وفيتنام وتشيلي والصومال ولبنان والعراق وافغانستان واليونان وقبرص ويوغسلافيا والبلقان وغيرها من الدول التي تبدل على اقترافها الحزبين .
— الإنتخابات وتأثير المرشحة الثالثة جيل ستاين .
يَطرح ترشُح جيل ستاين الجريئ عن حزب البيئة والخُضر بُعدا جديدا في الانتخابات الأمريكية اليوم ، حيث تدعو مواقفها الواضحة كيسارية تقدمية ، والبعيدة عن تأثير الحزبين الرئيسين وهي المؤيدة بوضوح للحق الفلسطيني ورفضها للسياسات الخارجية التقليدية الأمريكية إلى تأمُل أعمق من قبل الناخبين المعارضين لتلك السياسات من جانب الحزبين على مدار العقود الطويلة الماضية . وعلى الرغم من انعدام فرص فوزها ، فإن دعم الأقليات ومنهم الفلسطينين والمجموعات اليسارية التقدمية لها لن يكون دون جدوى بالمعنى السياسي ، لا بل قد يرسل رسالة واضحة للحزبين بأن أصوات الناخبين التقدميين والاقليات اللاتينية والمسلمة والعربية ومنها الفلسطينية ليست مؤمنة تلقائيا دون ثمن تحديدا للحزب الديمقراطي كما يرغبون باوساط الحزب ، بل يجب أن تُكتسب بقرارات سياسية ملموسة من جانب الحزب الديمقراطي بوقف المحرقة فورا وإنهاء الاحتلال ان اراد هذا الحزب وهاريس ان يحصلوا على دعم تلك المجموعات التي اصبحت تتنامى اليوم . فما زال امام هاريس وبايدن وحزبهم القليل من الوقت الضائع ان ارادوا إثبات ذلك والإعلان عن المواقف المطلوبة منهم بوضوح .
المرشحة جيل ستاين تسعى للحصول بفضل الدعم المتزايد لها وفق مواقفها المعلنة على نسبة ٥ % من الاصوات حتى تتمكن لاحقا من الحصول لصندوق حزبها المالي -الخُضر- على موازنة من الولايات المختلفة تقدر بخمسين مليون دولار مما سيساعد بنجاح تأسيس تيار ثالث تقدمي يساري اجتماعي بالولايات المتحدة .
اقول ذلك بغض النظر عن بعض المواقف من هنا وهنالك التي تدعوا الى انتخاب مجاني لكاميلا هاريس دون التزامات ، تلك الاصوات المعادية بذلك ترى الامور من زاوية السيئ والاقل سؤً فقط وترى ان اي صوت لجيل ستاين هو صوت يساهم في فوز ترامب ، وهي اي تلك الاصوات التي لا تؤمن بالتغيير الجذري وان مشوار الالف من يل يبدا بخطوة أولى تحتاج الى جرأة . هذه الاصوات لا تريد الاتعاظ من مقولة أن المؤمن لا يجب ان يُلدغ من نفس الجحر مرتين بل ومرات عديدة متمثلا بسىراب الوعود الأمريكية البشعة والكاذبة من الحزب الديمقراطي ، وهو ما يذكرني بكتاب صدر عام ١٩٦٥ كان والدي يحدثني عنه كثيرا بعنوان “الأمريكي البشع” لكاتبيه وليم لدرر مسؤول وكالة المخابرات الأمريكية سابقا في زمن عدوانهم على فيتنام والصحفي يوجين بورديك الذين وصفا به عقلية الدولة العميقة وتحديدا في معاداتها لحريات الشعوب وثقافة الحكم لدى الحزبين ، فلم بتغير شيئا منذ ذلك التاريخ حتى اليوم سوى مصطلحات واسماء جديدة ومزيدا من الكراهية لحقوق شعبنا غير القابلة للتصرف .
— تأثير الدولة العميقة على السياسة الخارجية.
لا يزال تحديد السياسة الخارجية الأمريكية اسير ورهين الدولة العميقة التي تشمل المؤسسات ومجمعات الصناعات العسكرية والمالية والشركات العملاقة متعددة الجنسيات القريبة من الحزب الديمقراطي بشكل عام لأسباب فكرية وايدولوجية تتعلق بمنهج الليبرالية الجديدة التي يريدون لها ان تحكم العالم باستمرار النظام الأحادي .
هذه المجموعات والتي تمثل بمجموعها المصالح الاقتصادية والعسكرية الكبرى والتوازن مع النفوذ القومي والديني الذي يسود الحزب الجمهوري ، الذي يدفع بسياسات صارمة في قضايا الشرق الأوسط وشعبوية على مستوى العالم سندا للمنهج العقاىدي القومي “أمريكيا اولاً ” الذي يركز عليه ترامب . لذا، فحتى لو وصلت هاريس إلى سدة الرئاسة بعد ايام ، فإن الفرص للتغيير الحقيقي في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط ستبقى محدودة ، لأن الرئيس الأمريكي وحده لا يمكنه تحدي هذه التوازنات الراسخة في النظام الأمريكي كما ثبت ذلك في أحسن الحالات خلال فترة رئاسة الديمقراطيان كلينتون واوباما ، اضافة الى انه وفي زمن الإدارة الديمقراطية خلال السنوات الاربع الماضية ، فقد فاقت اعداد من قتلتهم الولايات المتحدة بالعالم عن ما سبقها في فترة ترامب وكذلك زاد الاستيطان بفلسطين بعد ان كان ترامب من جهته أعترف بضم القدس والجولان .
— المآلات المتوقعة بين ترامب وهاريس.
بينما تمثل كامالا هاريس الأمل في السياسات التقدمية لبعض أعضاء من الحزب الديمقراطي القلائل في وقت ينتمي العديد منهم وبالمقدمة بايدن الى الحركة الصهيونية العالمية ، فإن دعمهم لها يأتي أحيانا من منطلق رفض سياسات ترامب المحافظة والمزعزعة للاستقرار وتحديدا بشان القضايا الداخلية الأمريكية او الخارجية التي قد تكون مبنية على صفقات او حدة مواجهة مع روسيا والصين تحديدا في مكانة وسط شرق أوروبا والشرق الاوسط وتايوان من جهة واثارة نزاعات قديمة جديدة جيوسياسية بمناطق اخرى من العالم .
من جهة أخرى ، هناك تخوف واسع من عودة ترامب ، حيث يرى الكثيرون أن سياسته الشعبوية وتصعيده في النزاعات الدولية قد يؤديان إلى أزمات داخلية جديدة كما حدث بالأنتخابات السابقة وربما شكلا من النزاعات الأهلية وعالمية ليس فقط سياسية بل أيضا اقتصادية وتحديدا حول واقع مكانة الدولار بالتبادلات التجارية الدولية خاصة بعد اللقاء الذي جرى مؤخرا لدول مجموعة البريكس في روسيا قبل ايام ، لكن في النهاية، يدرك كثيرون أن الولايات المتحدة تُحكم عبر توازنات معقدة من المصالح المختلفة ، بحيث يبقى كل رئيس بمثابة منفذ لسياسات أوسع تُحدد في أروقة الدولة العميقة، التي تنظر لمصالحها الإستراتيجية بتفوق على أي اعتبارات أخرى.
— التحولات والتيار الثالث التقدمي .
اذا، فرغم أن الانتخابات الرئاسية تشكل فرصة للتغيير كما انها تشكل نقطة مفصلية على مستوى العلاقات الدولية ، إلا أن السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط محكومة بثوابت يصعب تجاوزها .
دعم مرشحين مثل جيل ستاين لا يُعبر فقط عن احتجاج رمزي على سياسة الحزبين ، بل يشكل برأيي دعم مبدأي واخلاقي وسياسي من مؤيدي الحق الفلسطيني وردا لجميل مواقفها ، كما ويمثل خطوة نحو ضرورة خلق وعي سياسي أوسع بل وممكن نحو تيار سياسي ثالث هنالك جماهيري قد يستطيع المنافسة بعد سنوات وكسر احتكار الحزبين .
إلا أن إحداث تغيير حقيقي في السياسة الخارجية الأمريكية يبقى تحديا صعبا بحسب ما اشرت له، ووفق محددات العلاقة الإستراتيجية التاريخية بين الولايات المتحدة واسرائيل من حيث المنشأ العنصري الذي قام على الاقتلاع العرقي بالمكانين والفكر العقائدي والديني لدى الكثير من المسيحين الأصوليين والمتجددين في الولايات المتحده كما والسياسي النيوليبرالي المتوحش والحضاري الذي يرى بإسرائيل كمستعمرة غربية استيطانية بالمشرق العربي تشكل خط الدفاع الأول عن الحضارة الغربية امام مخاطر الشرق الحضاري .
في النهاية اقول ان الامور لن تبقى على حالها ، وما يجري في منطقتنا سيفشل مخططاتهم حول اسرائيل الكبرى التي لن تتمكن من تحقيق ما ترغب به من اهداف سياسي رغم تحقيقها بحكم جرائمها مكاسب عسكرية اذا صح القول . كما وان هذه المجريات والتطورات بتنامي التيار الثالث بعد نتائج انتخابات بريطانيا /حزب الخضر وفي فرنسا وفي اليابان وغيرهم من الدول وفي بعضها لتحالفات اليسار ، وإدراك المجتمع الدولي الشعبي بل والرسمي لبعض مواقف الدول المترددة لطبيعة دولة الأحتلال الإستعماري الأحلالي وسقوط نظرياتها المدعومة أمريكيا بحكم الشراكة بفائض القوة وتفوق الردع ، سيسارع من وجهة نظري بالمتغيرات على مستوى النظام الدولي ليكون اكثر عدالة بعد مخاض صعب وشاق وكثير التضحيات .