تُشكّل المحادثات الجارية في القاهرة بين حركتي فتح وحماس، برعاية مصرية مباشرة، محطة جديدة في مسارٍ طويل من محاولات المصالحة الفلسطينية. غير أن قراءة متأنّية لمواقف الطرفين تُظهر أن الطريق لا يزال مليئاً بالعقبات، وأن الخلاف الجوهري ليس في العبارات الدبلوماسية بل في جوهر السلطة والقرار
منذ انطلاق هذه الجولة من المحادثات، شدّد وفد حركة فتح على أن الوحدة الوطنية ليست خياراً تكتيكياً بل ضرورة وجودية للشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي، ولإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية تمكّن الجميع من المشاركة في القرار الوطني.
فتح ترى أن الشرعية الفلسطينية المتمثلة في منظمة التحرير والسلطة الوطنية يجب أن تكون المظلة الجامعة، وليس ساحة تنافس أو بديل عنها. ولهذا تدعو إلى إعادة توحيد المؤسسات، بما فيها الأجهزة الأمنية والإدارية في غزة، تحت قيادة وطنية موحدة.
في المقابل، تصريحات خليل الحية، القيادي البارز في حماس، التي قال فيها إن “السلطة الفلسطينية أحد العناوين الوطنية”، تكشف عن مقاربة مختلفة.
فبينما تبدو العبارة من الخارج تصالحية، إلا أنها تُخفي تمسك الحركة بمنطق الانفراد بالقرار داخل غزة، ورفضها أي ترتيبات تُضعف قبضتها الأمنية أو تُخضع جناحها العسكري لسلطة مركزية.
وبهذا المعنى، تحاول حماس أن توازن بين خطاب “الوحدة الوطنية” وبين الإبقاء على سلاحها المستقلّ وبُناها التنظيمية والأمنية، وهو ما تراه فتح شروطاً تعجيزية تُفرغ المصالحة من مضمونها العملي.
تلعب مصر دور الوسيط الحذر بين الطرفين، محاولةً الإمساك بخيوط معقدة: تهدئة الوضع الميداني في غزة، ومنع انهيار السلطة في الضفة، وضمان أن لا تُستخدم المصالحة كغطاء لترتيبات خارجية تُفرض على الفلسطينيين.
الموقف المصري يميل إلى دعم رؤية “الشرعية الواحدة” لكنه يدرك أن أي ضغط مفرط على حماس قد يُفشل المسار برمّته. لذلك جاءت اللقاءات الحالية استطلاعية أكثر منها تفاوضية نهائية.
يبقى السؤال الأعمق: هل يمكن بناء وحدة وطنية حقيقية بينما السلاح والقرار الأمني والسياسي خارج مظلة الشرعية الفلسطينية؟
تقول فتح: لا وحدة دون سلطة واحدة وسلاح واحد وقرار واحد.
وتقول حماس: لا تفريط بالمقاومة ولا خضوع لهيمنة سياسية.
وبين هذين الموقفين، تُختصر معادلة الأزمة الفلسطينية منذ 2007 إلى اليوم.
إنّ تجديد الخطاب الوطني لا يُقاس بالتصريحات بل بالفعل السياسي.
وما لم تُترجم كلمات “الوحدة الوطنية” إلى التزامات واضحة في الميدان — تُنهي الازدواج الأمني وتوحّد القرار السياسي — فإن كل جولات القاهرة ستبقى دوراناً في الحلقة ذاتها.
فالوطنية الحقيقية لا تُقاس بمن يحتفظ بالسلاح، بل بمن يضعه في خدمة الوطن الواحد لا في خدمة فصيلٍ واحد





