بين المخيمات الفلسطينية «شاتيلا وبرج البراجنة» … من يصنع الفتنة ومن يستثمر فيها ؟

بقلم: د. أحلام محمد أبو السعود

 مقدمة: حين تتحوّل الحقيقة إلى ضحية

في لبنان، تتكرّر مشاهد الألم الفلسطيني في مخيمات شاتيلا وبرج البراجنة وعين الحلوة، لكن ما يرافقها من تحريض إعلامي ممنهج بات أخطر من الحدث نفسه.
فما إن تقع حادثة فردية، حتى تتسابق بعض المنابر إلى تحميل شعبٍ بأكمله المسؤولية، لتتحول القضية من جريمة جنائية إلى منصّة للفتنة والتجييش الطائفي والسياسي.

هكذا يُستبدل السؤال عن الحقيقة بسؤال “من نلوم؟”، ويُستبدل التحقيق بالقضاء الإعلامي المسبق.

 من المستفيد من التحريض ضد اللاجئين الفلسطينيين؟

التحريض ليس عشوائيًا. إنه أداة سياسية بامتياز، تُستخدم في لحظات الانسداد الداخلي لتوجيه الأنظار بعيدًا عن الأزمات البنيوية في لبنان.
فمن السهل دائمًا إلقاء اللوم على “الآخر” الضعيف حين تفشل المنظومة في تأمين الحد الأدنى من العدالة والعيش الكريم.

المستفيد الحقيقي من التحريض هو:

القوى الداخلية التي تريد إحياء العصبيات الطائفية لتبرير استمرارها في الحكم.

وأطراف خارجية تسعى إلى إنهاء الوجود الفلسطيني في لبنان عبر بث الخوف من المخيمات وتحويلها إلى عبء أمني، تمهيدًا لتفكيكها أو دفع أهلها للهجرة.

بعبارة أوضح، المطلوب شيطنة المخيم كي يُبرَّر المساس بحق العودة، ويُمهَّد لصفقات التوطين أو التهجير الجديدة.

  شاتيلا وبرج البراجنة… رموز الصمود لا الفوضى

مخيم شاتيلا ليس مجرد رقعة جغرافية، بل ذاكرة نازفة وصوت مقاومة.
وبرج البراجنة ليس “بؤرة أمنية”، بل مجتمع حيّ صامد في وجه الحرمان والتهميش.
ورغم كل ما يعانيه الفلسطيني في لبنان من حرمانٍ من العمل، ومنعٍ من التملك، وتضييقٍ على حركته وحياته، فإنه لا يزال متمسكًا بعلاقته الأخوية مع الشعب اللبناني، مؤمنًا أن الظلم لا يُواجه بالتحريض، بل بالحوار والشراكة.

 لماذا يريدون “شمل المخيمات”؟

إن الدعوات إلى “شمل المخيمات” أو إخضاعها لسيطرة أمنية مطلقة لا تعني فقط ضبط الأمن، بل تحمل مشروعًا سياسيًا خفيًا يهدف إلى:

1. تفريغ المخيمات من بعدها الوطني والرمزي كحاضنة لحق العودة.

2. دمج الفلسطيني قسرًا في معادلات داخلية تُنهي خصوصيته السياسية كلاجئ.

3. تهيئة الأرضية للتوطين أو التهجير في سياق صفقة أكبر تمس جوهر القضية الفلسطينية.

بمعنى آخر، ما يجري ليس صدفة، بل جزء من إعادة تشكيل المشهد الفلسطيني في لبنان على نحو يخدم أجندات إقليمية ودولية.

  نداء من شاتيلا إلى الشرفاء

من قلب شاتيلا الصامدة، التي حملت ذاكرة المجازر وعبق الكرامة، يصدر النداء:

> أوقفوا التحريض، وافتحوا الأبواب للحوار، قبل أن يفوت الأوان.
أنقذوا ما تبقى من إنسانية وعدالة في هذا البلد الجميل المتعب.
وبلّغوا قيادة رام الله أن المخيمات ليست بخير… وأن الخطر الحقيقي هو في التحريض لا في الناس.

  خاتمة: الحقيقة تضيء حين يصمت التحريض

كما قال جبران خليل جبران:

“الحقيقة برقٌ لا يُرى في العيون المغمضة.”

فلتُفتح العيون على الجوهر لا الضحية،
على العدالة لا الفتنة،
على الحق لا الشائعة.

إن من يريد الحقيقة يسعى للتحقيق،
أما من يروّج للتحريض، فيشارك في مشروع سياسي كبير يُراد له أن يُسدل الستار على الوجود الفلسطيني في لبنان.

د. أحلام محمد أبو السعود