بين النيل والبحر الأحمر – كيف تستثمر إسرائيل توترات سد النهضة

السياسي – كشف تقرير لموقع “Bizportal” الإسرائيلي، أعده المحلل السياسي موشيه كسيف، أن إثيوبيا باتت الشريك الاستراتيجي الأهم لإسرائيل في إفريقيا.

وأشار التقرير إلى أن التعاون بين البلدين لا سيما في ظل تصاعد التوترات حول سد النهضة، الذي يهدد بتفجير أزمة مائية وجودية بين أديس أبابا والقاهرة، الذي بدأ بعد سنوات من قيام دولة إسرائيل، استمر حتى خلال فترة قطع العلاقات الدبلوماسية (1973–1989)، خاصة في المجال الأمني.

وتشترك الدولتان اليوم في مصالح مشتركة تتعلق بالأمن، ومكافحة التطرف، وتنمية الزراعة والمياه، فضلاً عن الدور المحوري لإثيوبيا كمقر للاتحاد الإفريقي.

وأكد أن سد النهضة، الذي دُشّن رسميًا في سبتمبر 2024، يُعدّ مشروعًا تنمويًا حيويًا لإثيوبيا، إذ يرفع قدرتها الكهربائية إلى 5,100 ميغاواط، ويدعم ربط أكثر من نصف سكانها بالشبكة الكهربائية. كما يُجسّد السد رمزًا وطنيًا، ممولًا محليًا دون اعتماد على تمويل خارجي كبير.

في المقابل، تنظر مصر إلى السد كتهديد وجودي، نظرًا لاعتمادها شبه الكلي على مياه النيل. وتطالب القاهرة باتفاق ملزم ينظم ملء الخزان وتشغيله، خاصة في سنوات الجفاف، وهو ما ترفضه إثيوبيا، مشددة على حقها السيادي في استخدام مواردها المائية.

ولفت التقرير إلى أن المفاوضات الثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان وصلت مرارًا إلى طريق مسدود، رغم وساطات دولية، فيما تشير تقارير إلى مناورات عسكرية وخطابات تصعيدية من الجانبين. ومع ذلك، يرى المحلل أن أي مواجهة عسكرية شاملة تبقى غير مرجحة حاليًا، إلا أن تأثير السد على تدفق المياه قد يُفجّر أزمة إنسانية خطيرة.

وأشار كسيف إلى أن إثيوبيا، بثقلها الجيوسياسي وقربها من ممر باب المندب، تمثل حليفًا استراتيجيًا لإسرائيل في احتواء النفوذ الإيراني، وتأمين الملاحة في البحر الأحمر، وتوسيع النفوذ في القارة الإفريقية. كما تمثل سوقًا ناشئة واعدة في مجالات الزراعة، المياه، والتعدين، خاصة مع امتلاكها احتياطيات من الذهب والليثيوم.

وتناول المحلل الإسرائيلي خلال تقرير المطول طبيعة النظام الحاكم في إثيوبيا، ووضع جيشها، ومصادرها الاقتصادية، وكيف أصبحت إثيوبيا عنصرًا جيوسياسيًا محوريًا لإسرائيل في إفريقيا؟ وكيف بدأ الصراع على المياه بين مصر وإثيوبيا؟ وما احتمالات اندلاع حرب فعلية بين البلدين؟ وكيف تحول الصراع على المياه إلى قضية قد تدفع دول الشرق الأوسط إلى شفا الحرب.

كشف التقرير العبري أن العلاقات بين إسرائيل وإثيوبيا بدأت بعد سنوات قليلة من قيام دولة إسرائيل. وكان الإمبراطور الإثيوبي آنذاك، هيلا سيلاسي — وهو من أصل “فلاشا” (يهود إثيوبيا) — قد عاش سنوات منفاه من إثيوبيا في القدس إبان الاحتلال الإيطالي، وظلّت في قلبه محبة عميقة لإسرائيل حتى يوم إطاحته. وفي عام 1973، مع اندلاع حرب أكتوبر، قطعت إثيوبيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، لكنها استؤنفت بعد 16 عامًا في 1989. ومع ذلك، استمر التعاون الأمني طوال تلك الفترة، ولم تتوقف إسرائيل عن دعم إثيوبيا قدر استطاعتها.

ووفق المحلل السياسي الإسرائيلي، فاليوم، تربط الدولتين علاقات دبلوماسية كاملة. وتمت عمليات هجرة يهود إثيوبيا (مثل عملية “موسى” وعمليات لاحقة) بدعم صامت من السلطات الإثيوبية. أما العلاقات الاقتصادية فهي محدودة نسبيًا؛ فإسرائيل تستورد أساسًا منتجات زراعية مثل القهوة ودقيق “إنجرة” والبهارات، بينما يتركّز تصدير إسرائيل لإثيوبيا على الأسمدة والمنتجات الزراعية المحسّنة. وفي عام 2024، بلغ حجم الصادرات الإثيوبية إلى إسرائيل نحو 42.5 مليون دولار، بينما بلغت الواردات الإسرائيلية إلى إثيوبيا نصف هذا المبلغ تقريبًا. كما تساعد إسرائيل إثيوبيا في تطوير الزراعة عبر نقل المعرفة والخبرة الإسرائيلية.

ووفق التقرير العبري فتربط إسرائيل وإثيوبيا علاقات أمنية واسعة، نظرًا للتهديدات المشتركة من جهات متطرفة، خاصة إسلامية. وقد قدّمت إسرائيل مساعدات عسكرية لإثيوبيا في الماضي، ولا تزال العلاقات الأمنية مستمرة حتى اليوم. وكانت إسرائيل قبل عقود واحدة من المورّدين الرئيسيين للمساعدات العسكرية لإثيوبيا. وحتى بعد قطع العلاقات عام 1973، استمرت إسرائيل في تقديم الدعم العسكري سرًّا، للحفاظ على الروابط الأمنية من جهة، وتجنب إثارة ردود فعل داخلية من جهة أخرى.

وحاليًا، توفّر إسرائيل تدريبات لوحدات النخبة الإثيوبية وتساعد في تحسين القدرات العسكرية. وفي عام 2021، أفاد ملحق الدفاع الإسرائيلي في إفريقيا بأن الروابط قوية، وأن التعاون العسكري-الأمني مستمر على جميع المستويات. ومن المهم الإشارة إلى غياب وجود أمريكي ملحوظ في إثيوبيا، ما يجعل إسرائيل بديلًا مناسبًا إلى حد كبير. وقد يؤدي انتهاء الحرب في غزة — إذا تحقّق — إلى تحسين العلاقات وإزالة العقبات التي فرضتها الحكومة الإثيوبية بسبب الانتقادات الدولية الموجّهة لإسرائيل. ومن الجدير بالذكر أن الخطوط الجوية الإثيوبية كانت أول شركة طيران تُعيد رحلاتها إلى تل أبيب بعد اندلاع الحرب في غزة، ما يدل على رغبتها في الحفاظ على العلاقات. ومع أن إثيوبيا، كمقر للاتحاد الإفريقي، امتنعت عن تعميق التعاون طالما أن إسرائيل منخرطة في صراعات الشرق الأوسط، إلا أنها ليست دولة إسلامية.

ووفقا للتقرير تطالب مصر إثيوبيا بالتوقيع على اتفاق ملزم يحدد معدل ملء الخزان وآلية التشغيل في سنوات الجفاف. وبما أن ملء الخزان قد اكتمل بحسب إثيوبيا، فإن النقاش يتركّز الآن على تنظيم التدفق في فترات الجفاف. ومن المهم الإشارة إلى أن التبخّر من الخزان سيزيد من الخسارة في كمية المياه التي تصل إلى مصر.

وتخشى مصر من سيناريو مشابه لما حدث مع سدود تركيا على نهر الفرات، حيث انخفض تدفق المياه إلى سوريا والعراق بشكل حاد، وتضررت الزراعة بشدة، وخسر العراق جزءًا كبيرًا من مصادره المائية.

وأوضح التقرير العبري أنه حتى الآن، لم تُثمر المحادثات الثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان عن اتفاق، ووصلت مرارًا إلى طريق مسدود. وفشلت جهود الوساطة بقيادة الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة في تحقيق اختراق. ويتبادل الطرفان الاتهامات بعدم حسن النية، بل ولجأت مصر إلى مجلس الأمن الدولي. واتهمت مصر والسودان إثيوبيا مؤخرًا بإطلاق فيضانات غير متوقعة — اتهامات رفضتها أديس أبابا جملةً وتفصيلًا. وتشير تقارير إلى مناورات عسكرية وخطاب عدائي من الجانبين، بل وثمة مصادر تفيد بأن مصر تعدّ قواتها لهجوم محتمل. ومع ذلك، لا تبدو أي من الدولتين في وضع عسكري يسمح بمواجهة شاملة حاليًا، لكن إذا أدّى تشغيل السد إلى تعطيل إمدادات المياه لمصر، فإن كارثة إنسانية ليست سيناريو مستبعدًا.

ورجح المحلل السياسي الإسرائيلي أنه إذا لم يتأثر تدفق المياه إلى مصر بشكل كبير، فإن التهديدات المصرية ستبقى حبرًا على ورق. ومن المنظور الإسرائيلي، فإن الوضع الحالي مثالي: فطالما أن الجيش المصري منشغل بإثيوبيا، فإن قدرته على شن أي هجوم ضد إسرائيل ستكون محدودة. ومع ذلك، يجب على إسرائيل أن تبقى يقظة، رغم اتفاق السلام والعلاقات الدبلوماسية.

وختم التقرير بالتحذير من أن أزمة المياه في الشرق الأوسط، المتفاقمة بسبب تغير المناخ، قد تتحول إلى بؤر صراع إقليمية جديدة، داعيًا إلى حلول تعاونية، مشيرًا إلى أن إسرائيل، بخبرتها في إدارة الموارد المائية، يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في هذا السياق.

المصدر : bizportal