بين ضغط الميدان وسوء الخيارات هل تقبل حماس ورقة ويتكوف؟

نبهان خريشة

تأتي “ورقة ويتكوف” في وقت بالغ التعقيد، حيث تعيش غزة أسوأ كوابيسها منذ عقود: كارثة إنسانية، دمار شبه شامل، ومآسي يومية تطال المدنيين في كل بقعة من القطاع. الورقة، التي تبدو في مضمونها انعكاسًا واضحًا للرؤية الإسرائيلية، تفتقر إلى ما يعتبره كثيرون في الحد الأدنى من شروط العدالة أو حتى الواقعية: لا وقف دائم للحرب، ولا ضمانات لاستمرار إدخال المساعدات، ولا إطار زمني واضح لإعادة الإعمار أو رفع الحصار، بل تترك معظم القضايا الجوهرية “للتفاوض لاحقًا”، في ظل ميزان قوى مختل وواقع ميداني مختنق.

وبحسب محللين، فإن الورقة تبدو وكأنها صيغت بطريقة متعمدة لرفضها من قبل حماس، وبالتالي تكرس الرواية الإسرائيلية أمام العالم بأن “الطرف الفلسطيني لا يريد السلام”، ما يفتح الباب أمام استمرار العمليات العسكرية، أو على الأقل، تحميل الطرف الفلسطيني مسؤولية تعثر أي اتفاق.

من جهة أخرى، فإن القبول بالورقة كما هي قد يُنظر إليه من قبل جمهور حماس – وأيضًا جمهور المقاومة الأوسع – كتنازل سياسي كبير لا يمكن تبريره، خصوصًا في ظل غياب أي ضمانات حقيقية لوقف العدوان أو حفظ كرامة الشعب الفلسطيني. فالقبول بها بهذا الشكل قد يهدد مصداقية الحركة كقوة مقاومة، ويطرح تساؤلات جوهرية عن جدوى كل هذه التضحيات إن كانت نهايتها اتفاقًا لا يلبي الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية.

ومع ذلك، لا يمكن تجاهل المعاناة الهائلة التي يعيشها الناس في غزة. الضغط الشعبي، وإن لم يكن علنيًا أو منظمًا نتيجة ظروف الحرب، يشكل عاملاً حاسمًا. فهناك آلاف العائلات التي فقدت بيوتها وأحباءها، ومئات الآلاف من الجائعين والنازحين، والبنية التحتية المنهارة، كلها تضغط باتجاه القبول بأي صيغة تؤدي إلى تهدئة – حتى وإن كانت مؤقتة – توقف شلال الدم وتفتح المجال لإغاثة الناس.

في هذا السياق، تبدو حماس في معادلة شبه مستحيلة: القبول بالورقة يعني خسارة سياسية ومعنوية كبيرة، والرفض قد يؤدي إلى سيناريو أسوأ، يتمثل إما في استمرار الحرب لفترة طويلة أو في تقديم ورقة جديدة أكثر إجحافًا، يُطلب منها قبولها تحت تهديد المزيد من التصعيد.

من المرجح إذن أن تلجأ حماس إلى تكتيك المناورة: قبول مبدئي مشروط، أو طلب تعديلات أساسية تعيد التوازن إلى الورقة، على أمل أن تشكل الأطراف الوسيطة، لا سيما مصر وقطر وربما الولايات المتحدة، مظلة ضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات حقيقية. لكن حتى هذا المسار محفوف بالمخاطر، لأن إسرائيل قد تفسر أي تحفظات كرفض قاطع وتعلن انتهاء الحوار.

إن ما يحدد قرار حماس هو قدرتها على الموازنة بين حماية ما تبقى من غزة، والحفاظ على مشروعها المقاوم. وفي حال استشعرت أن الرفض سيُستغل لفرض حلول أكثر كارثية، فقد تجد نفسها مضطرة للقبول تحت عنوان “إنقاذ ما يمكن إنقاذه”، مع ترك الباب مفتوحًا لاستمرار المعركة السياسية في ميادين أخرى.