بابا الفاتيكان من أهم الشخصيات الدينية ذات الأثر السياسي الأخلاقي العالمي.
من أسباب ذلك كونه «راعي» أكبر كنيسة من ناحية العدد والانتشار في أرجاء الأرض، الكنيسة الكاثوليكية، أضخم كتلة بشرية دينية منتظمة تحت توجيه ديني من مؤسسة طقوسية مغرقة في التقاليد والتربية التاريخية، والمصالح الكبرى التي ترعاها هذه الكنيسة.
نحن نعلم أن الغالبية في الولايات المتحدة يتحدرن من مهاجرين من الجهات الأوروبية البروتستانتية، وهي الجماعة التي اتّبعت تعاليم الثائر على كنيسة روما، القس الألماني الأشهر، مارتن لوثر كينغ، لكن في أميركا هناك حضور قوي للمسيحيين الكاثوليك.
يبلغ عدد الكاثوليك الأميركيين نحو 52 مليون نسمة وغالباً ما يعدون ناخبين حاسمين. وفي بعض الولايات المتأرجحة، مثل بنسلفانيا وويسكونسن، فإنَّ نسبة الكاثوليك البالغين تتجاوز 20 في المائة من السكان.
قبل أيام سُئل بابا الفاتيكان فرنسيس عن الانتخابات الرئاسية الأميركية أثناء رحلته عائداً إلى روما من سنغافورة، فأدان المرشحين الاثنين، كامالا هاريس، ودونالد ترمب، وقال إن عدم الترحيب بالمهاجرين هو خطيئة «كبيرة» كما أن الإجهاض يشبه «الاغتيال»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء. وقال البابا فرنسيس (87 عاماً): «يتعين اختيار أخف الضررين… من هو أخف الضررين؟ تلك السيدة أم ذلك الرجل؟ لا أدري. كل شخص، من منطلق ضميره، عليه أن يفكر ويفعل هذا».
يبدو أن هذا النهج الذي نصح به بابا الفاتيكان رعاياه، أو من يتأثر بنصيحته، حتى من خارج الكاثوليك أو حتى من خارج المسيحيين، هو أن الاختيار سيكون بين اختيارين سيئين، وليس بين صواب خالص، وخطأ صافٍ… بين أبيض وأسود.
من هو الأخف ضرراً؟
ذلك هو المعيار الذي نصح هذا الشيخ الكبير المجرب، وفي تقديري المتواضع، وأتكلم من الزاوية التي أفهم بها مصالح الدول العربية التي تمثل نهجاً معتدلاً ومسؤولاً في نفس الوقت، مثل السعودية ومصر، أن التيار الجمهوري هو الأخف ضرراً، رغم أنه يمكن التعامل مع الديمقراطيين، وقد تابعنا الخطوات المتقدمة التي أنجزتها السعودية في بناء تفاهم استراتيجي تترتب عليه خطوات ملزمة مع إدارة بايدن… لكن يمكن إنجاز ذات التفاهم مع الجمهوريين، مع علاوات و«إكسترا» فوائد أخرى.
بكلمة، مرة أخرى، فالدنيا لا تعرض عليك الاختيار الناصع، بل الاختيارات المتداخلة، وعليك أن تضع معاييرك الخاصة، وتحسب حسبتك، أنت، لا حسبة غيرك.