لو عدنا إلى كانون الثاني الماضي، فإن واحدة من أهم أسباب صفقة التهدئة والأسرى التي تمت بين حركة حماس وإسرائيل كانت أن دونالد ترامب أراد أن يكون الحدث الأوحد على وسائل الإعلام دون أن ينافسه أحد. فهو يعتبر نفسه “ملك الملوك”، هذا ما يمكن إدراكه دون عناء، ليس فقط من مراقبة سلوكه السياسي، بل كان واضحا منذ الولاية الأولى، صحيح حينها كان أكثر تواضعا وهو يخوض غمار السياسة بدون الحد الأدنى من مؤهلاتها، وبكاء ميلانيا ليلة الفوز خوفا من هذا الفوز وخوفا على أميركا وخوفا على العالم الذي سيديره رجل هي أكثر من تعرفه عن قرب.
هذه المرة، يحاول ترامب إعادة نفس السيناريو بعد أن طرح المقترح الذي لا يمكن قبول أي تعديل عليه من نتنياهو أو حماس، لإنهاء الحرب على غزة التي شارفت على إتمام عامها الثاني، بل وانهاء الصراع في الإقليم بشكل عام، وهي رسالة واضحة للشعب الفلسطيني، وهي إما أن تضحوا بحماس في غزة أو أن تضحوا بغزة وشعبها وحماس معها، فإن كان الأمر كذلك فإنه من الخاطئ أصلا التفكير في الخيارات فإن الخيار الأصح والأكثر عقلانية طبعا هو اختيار الشعب الفلسطيني، فالفصائل تعود من جديد وشعبنا ليس عاقرا عن اخراج قادة جدد وفصائل جدد على مدار تاريخ الصراع.
الصحيح أن أي قرار فلسطيني يجب أن ينطلق من قاعدة واحدة لا غبار عليها، وهي أن نحو 90 ألف شهيد ليسوا أرقاما، بل أسماء ووجوه وحكايات توقفت عندها الحياة، وأن ما لم يقله نتنياهو واضح المساومة اليوم هي على أرواح من تبقى، فإما أن تقبل حماس المقترح أو تستمر آلة القتل والتجويع بلا هوادة.
لو رفضت حماس اليوم، سيبدأ الغد مرحلة جديدة من القتل والتجويع، أشد قسوة وأوسع ألما، لذلك، يجب أن ينطلق أي قرار من قلب هذا الحساب الأخلاقي: إنقاذ الأرواح الآن، لا مساومات على دماء الأبرياء.
إن وقف الحرب وقف الإبادة والانسحاب وغياب شبح التهجير ودخول المساعدات عبر المؤسسات المعروفة مع استبعاد مؤسسة غزة الأمريكية والبدء في إعادة تأهيل غزة ولو بشكل مبدئي هم أهم ما ورد في خطة ترامب، هذا هو نصف الكأس المملوء بالنسبة للغزيين.
لكن الخطة المكونة من 21 بند ليست خطة أمريكية صرفة ولا إسرائيلية صرفة ولا فلسطينية وعربية صرفة هي مقاربات لمنح كل طرف جزء من مطالبه على مدار عامان من الحرب، ولكن يجب أن لا نغفل الظروف والنتائج الميدانية للحرب على غزة وعلى الإقليم بأكمله لذلك من الطبيعي أن يكون الطرف الأوفر حظا في تحقيق أهداف ومطالبه هو نتنياهو.
أما دولة قطر فقد اختارت نفسها ومصالحها بعد قبول اعتذار نتنياهو وهذا حق لها لحماية شعبها ومصالحها في المنطقة والعالم، وحق لنا أن نطالب حماس بالتوقف عن بيع شعبنا بثمن بخس.
إن خطة ترامب المطروحة هي ثمن الهزيمة المستحق، ورغم سوئها وجورها، فإن وقف كابوس التهجير والسحق الأبدي لنا كأمة وشعب ووقف المقتلة وانقاذ ما تبقى من كرامة الناس وحياتهم، أولى من الاستمرار في الانتحار إلى ما لا نهاية.. أوقفوا الإبادة ويكفي عند هذا الحد.
الخيارات تضيق على شعبنا وعلى قادة حماس، ولو أخذت هذه القيادة بالنصائح قبل عام قبل احتلال رفح والمعبر ووجود أهم قائدين كان النزول عن الشجرة يحمل من الكرامة ما يغطي هذا النزول، وأن التأخر في فهم سياقات الحرب سيجعل الأمر أكثر صعوبة.
نحن أمام خيارين لا أرى ثالثا لهما: إما بقاء الحرب تحت تبرير ملاحقتكم والقضاء عليكم أو تقبلون مقترح ترامب وتبدؤون التفاوض على اليوم التالي بدونكم مدركين واقع الميدان والنتائج ومآلات الاستمرار إذا ما تمكن الإسرائيلي من اجتياح القطاع وحشر الناس في معازل لإخراجهم من غزة.