لا يكفي عقد المؤتمرات العربية والإسلامية التي تنتهي بإصدار البيانات الختامية، والتي تدعو عبر تاريخ الجامعة العربية إلى تقديم الدعم والإسناد للفلسطينيين. وعلى الرغم من تراجع البيانات النارية ولغة الشجب والتنديد، وغياب لغة دعم صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني وفقًا للقرارات الشرعية الدولية، فقد تجاوزت عقول الجماهير العربية المفردات الحماسية، وبقيت تهيمن عبارات الإدانة وشجب لإجراءات الاحتلال الإسرائيلي المتطرفة، والعدوان على قطاع غزة، والدعوات الخجولة لإدخال المساعدات الإنسانية.
هذا يعني أن القضية الفلسطينية، وفقًا لهذه البيانات، قد تراجعت من كونها قضية حقوق وطنية وشعب تحت الاحتلال،إلى قضية إنسانية.
ما يحدث في قطاع غزة لا يتعلق فقط بوجود المقاومة الفلسطينية، فالمقاومة الآن محدودة في إطار الدفاع عن النفس، وهذا أمر حتمي طالما أن هناك احتلالًا. من الطبيعي أن يلجأ المواطنون في قطاع غزة للدفاع عن أنفسهم في مواجهة الإبادة الجماعية وعملية التطهير العرقي، التي تهدف إلى تهجير الفلسطينيين.
أما الحديث المتكرر حول الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين، فهو مجرد مبرر لاستمرار العدوان والإبادة الجماعية. والدليل الموضوعي أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يقوم بعمليات قتل جماعي خلال محاولات الفلسطينيين الحصول على حفنة من المساعدات الغذائية، وقد شاهدنا بأم أعيننا استمرار وقوف الأطفال والنساء وكبار السن لساعات طويلة من أجل قليل من الشوربة أو الأرز، ومع ذلك يتعمد جيش الاحتلال إطلاق الرصاص الحي على هذه الحشود.
هذا المشهد اليومي لا يتجاوز حدود الأرقام التي تتصاعد أو تنخفض وفقًا لعدد الطلقات التي يطلقها الجنود والمرتزقة. لذلك، بقدر أهمية إدخال المساعدات الإنسانية، فإن وقف الإبادة الجماعية يجب أن يكون أولوية قصوى.
قد تكون الخطوات التي يتخذها الجانب المصري بعدم فتح المعبر ضرورة لتفادي منح” إسرائيل” ذريعة لدفع الفلسطينيين نحو الحدود المصرية.
وفي الضفة الغربية ومخيماتها، كان الاحتلال يخطط لبدء المواجهة في المحافظات الشمالية، خاصة في مخيم جنين ومخيم عين شمس في طولكرم. وقد استُغل وجود بعض المسلحين في هذه الجيوب لتدمير المخيمات، مما تسبب في نزوح أكثر من مائة ألف مواطن بعد تدمير منازلهم.
الهدف الإسرائيلي في الضفة لا يقل خطورة عما يجري في قطاع غزة، إذ تم اتخاذ العديد من الإجراءات في الكنيست لضم الضفة الغربية، مع الإعلان الصريح برفض قيام دولة فلسطينية وفقًا للقرارات الدولية وحل الدولتين. وخلال كتابة هذة السطور سوف يتم غدا الأربعاء من الشهر الجاري التصويت على قرار ضم الضفة الغربية يهودا والسامرة لتكريس الاستيطان ويهودية كدولة إحتلال لكل فلسطين.
وقد تختلف وسائل الضغط على الفلسطينيين في الضفة من حيث الشكل، لكن المضمون واحد: التهجير نحو الأردن، ويجري ذلك من خلال إطلاق العنان للمستوطنين بدعم من جيش الاحتلال، إضافة إلى الاغتيالات اليومية، والاعتداءات المتكررة على المنازل والممتلكات، وأحراق السيارات والحقول الزراعية ومنع آلاف العمال الفلسطينيين من العمل داخل الخط الأخضر.
لكن السيناريو الأخطر يتمثل إلى انهيار السلطة الفلسطينية، خاصة بعد حجز أموال المقاصة، ما يفاقم الأزمة الاقتصادية ويضعف قدرة السلطة على إدارة الوضع في الضفة. وهذا يأتي بالتزامن مع سعي إسرائيل لفرض سيطرة إمنية على قطاع غزة.
لقد تجاوز المشروع الإسرائيلي اتفاق أوسلو، حيث تحولت السلطة الفلسطينية من كيان محدود الصلاحيات إلى دولة عضو مراقب في الأمم المتحدة. واليوم، نحن على أبواب انعقاد مؤتمر دولي بمقر الأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل.
لذلك، أمام هذه التحديات، يجب على الدول العربية والإسلامية تقديم مختلف أشكال الدعم السياسي والاقتصادي للشعب الفلسطيني الصامد، والساعي منذ 76 عامًا نحو الحرية والاستقلال وإنهاء الاحتلال.
دعم صمود الفلسطينيين هو دعم مباشر للأمن القومي العربي.