تحذيرات إسرائيلية: نتنياهو يعاند المؤسسة الأمنية ويمضي في الحماقة

السياسي – رغم أن مسودة قرار القمة العربية الإسلامية في قطر تكتفي بخطاب موحد شديد اللهجة ضد إسرائيل، يقول إن “هجومها على الدوحة وغيرها من التصرفات يهدّد جهود تطبيع العلاقات مع الدول العربية” ويندّد بـ”العربدة الإسرائيلية”، دون خطوات عملية، يعرب عدد من المراقبين الإسرائيليين عن مخاوفهم من تبعات سلبية على اتفاقات أبراهام التي تصادف اليوم الذكرى الخامسة لتوقيعها الرسمي الاحتفالي في واشنطن، إلى جانب التحذير من تبعات “كارثية” من حملة معلنة وشيكة لاجتياح مدينة غزة.

وتوضح كيرن نويباخ، المقدمة الإذاعية والمعلقة السياسية في الإذاعة العبرية الرسمية اليوم الاثنين، أن اكتفاء القمة العربية الإسلامية بتصريحات تنديد دون أفعال حقيقية، بعد بيان “مخّفف ملطّف” للأمم المتحدة قبل أيام لم يذكر حتى إسرائيل، لن يحفّز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفرملة مراكب الحرب ومنع نتنياهو من مواصلة حرب لا تنتهي، بل يبقيه في دائرة التصريحات مانحا إياه فرصة لمواصلة الحرب.

يشار إلى أن ترامب أشاد في الليلة الفائتة بقطر وحذّر إسرائيل من خطواتها بعد القصف على الدوحة ودعا إسرائيل للحذر دون توضيح مقصده. من جهته يبدو نتنياهو غير مكترث بأي موقف دولي وعربي كما يتمثّل في عناده وتصميمه على احتلال مدينة غزة والطمع باستكمال تدميرها وتهجير أهلها وفتح باب “الهجرة الطوعية” أمامهم لاحقا، وذلك بعدما واصل التعبير عن الغطرسة وسكرة القوة وعن مخطط “الشرق الأوسط الجديد” بزعامته، والتهديد بمحاولة اغتيال قيادة حركة “حماس” في كل مكان بما في ذلك بالدوحة.

بعد زيارة لحائط البراق في الشطر الشرقي من القدس المحتلة أمس برفقة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، قال نتنياهو ما يعكس الدعم الأمريكي الفعلي المفتوح للاحتلال: “التحالف الإسرائيلي- الأمريكي قوي وصلب مثل حجارة حائط المبكى التي لمسناها للتو.. ونحن نقدّر ذلك بشدة”.

وسبقه بذلك روبيو بالقول إن واشنطن قلقة من الضربة في الدوحة لكن العلاقات بين الولايالت المتحدة وإسرائيل متينة جدا. تجلى هذا التماثل الأمريكي مع الاحتلال بتفاصيل أخرى، بمجرد زيارة الموقع الإسلامي المحتل، وفي اعتمار روبيو وهو كاثوليكي متدين والسفير الأمريكي لدى إسرائيل مايك هاكابي، القس البروتستانتي الإنجيلي، القلنسوة اليهودية على غرار نتنياهو، أثناء أداء صلاة صامتة لمسوا خلالها حائط البراق بدون زوجاتهم. ومن المفترض أن يجتمع ظهر هذا اليوم روبيو بنتنياهو وسط توسلات عائلات المحتجزين أن ينتهي الاجتماع بما يوقف الانزلاق للحملة العسكرية التي تهدد أبنائهم.

مراكب جدعون الثانية
بالتزامن، يستعد جيش الاحتلال لتطبيق أوامر حكومة الاحتلال باجتياح مدينة غزة بذريعة “القضاء على حصون حماس الأخيرة”، بيد أن المخفي من مآرب وأطماع أعظم مما ذكر. ويعاند نتنياهو بذلك المؤسسة العسكرية والأمنية التي تعارض الحملة العسكرية مثلما عارضت الاعتداء على الدوحة، فهي تخشى أولا من أن الاجتياح سيقتل المحتجزين والأسرى، وسيكلف الجيش خسائر كبيرة في صفوف جنوده وهم في حالة إرهاق واستنزاف.

تفيد مصادر إسرائيلية اليوم الاثنين أن هناك 20 ألف جندي إسرائيلي جريح حتى الآن، 55% منهم يكابدون أيضا أزمات نفسية وفق بيان وزارة الأمن الإسرائيلية التي باتت تعترف بالخسائر بشفافية أكبر، بخلاف ما كان في بدايات الحرب. ويبدو أن هذا مرتبط بالمعركة على وعي الإسرائيليين خلال النقاشات حول استمرارية الحرب.

وتنقل صحيفة “هآرتس” في عنوانها الرئيس اليوم عن مصادر عسكرية قولها إن الضغط النفسي يكسر روح الجنود، وإن آلافا منهم غادروا الخدمة في وحدات قتالية نتيجة الإرهاق والقتل العشوائي للفلسطينيين، وهذا ما يؤكده تحقيق لصحيفة “يسرائيل هيوم” أيضا.

مسيرة الحماقة
وضمن تحذيراتها من الحملة العسكرية “المغامرة” تنقل صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم عن قائد جيش الاحتلال يائيل زامير قوله داخل غرف موصدة إن “رئيس الحكومة لا يقول لنا ما هي المرحلة التالية… ودون قرار حول مستقبل غزة، ستفشل محاولة حسم حماس”.

المعلق السياسي ناحوم برنياع، شن هجوما جديدا على نتنياهو في مقال بعنوان “الطريق إلى الهاوية” يعتبر فيه أن “الضربة الإسرائيلية في الدوحة هي لعبة تمهيدية قبل احتلال مدينة غزة” وأن القصة في غزة مركبّة أكثر، والحماقة أقل صيحة وصراخا لكنها أكبر خطرا وكلفة من ناحية حياة الجنود وتحّول إسرائيل إلى دولة منبوذة تماما في العالم”.

ويتساءل بارنياع عن صمت الضباط الكبار وعن صمت زامير.. لماذا لا يقومون ويقولون “كفى”. وتبعه في ذلك المحلل السياسي للقناة 13 العبرية رافيف دروكر الذي قال إن قوة زامير كبيرة، داعيا إياه لاستغلالها ليقول “لا” لنتنياهو الذي يصمم على الذهاب إلى مناورة برية واسعة وخطيرة بخلاف موقف المؤسسة الأمنية.

وهكذا المحلل السياسي البارز نداف أيال في مقال نشرته “يديعوت أحرونوت” اليوم بعنوان”الطريق إلى العمى” يقول إن الحرب حولت مكسب نتنياهو الكبير (اتفاقات أبراهام) لآثار من العالم القديم. ويمضي في تحذيره من خطورة حالة الانفلات: “هناك فارق بين أن تريد إسرائيل أن تبدو قد مسّها جنون لا أحد يجرؤ على لمسها، وبين “مجنون” ينبغي أن يجتهد الجميع لمعالجته. المستوى السياسي يتجاهل الفرص السياسية التي يقدمها الجيش ويختار القوة العسكرية”.

ويخلص نداف أيال للقول كالكثير من المراقبين عشية انطلاق “مراكب جدعون الثانية”: “هذا هو الوقت لقطع مسيرة الحماقة”.

ويبدو المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل اليوم أكثر وضوحا وحدةّ في تحذيره من مغامرة نتنياهو، بالقول: “نتنياهو مصمم على حثّ الخطى وتوسيع العملية البرية.. وترامب فقط قادر على منع الكارثة في الطريق”.

وانضمت الإذاعة العبرية للتحذيرات من مغبة احتلال مدينة غزة بالإشارة أيضا إلى أن حماس تستعد ميدانيا وعملياتيا، وتنقل عن مصادر إسرائيلية وفلسطينية قولها إن المقاومة الفلسطينية بدأت تنشر اسرى إسرائيليين في المدينة بعد إخراجهم من الأنفاق مما يؤدي لتضييق هامش المناورة البرية.