السياسي – قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن التحقيقات بهجوم طوفان الأقصى الذي نفذته فصائل المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023 باتت تحاصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا سيما في ظل الكشف عن تزويره محاضر ووثائق رسمية.
وذكرت الصحيفة أنه في صباح يوم تنفيذ هجوم طوفان الأقصى، اتصل جنرال إسرائيلي كبير بنتنياهو لإبلاغه بأن مئات المقاومين الفلسطينيين يبدو أنهم يستعدون للغزو.
والآن، يخضع مساعدو رئيس الوزراء للتحقيق بسبب تغيير التفاصيل المتعلقة بتلك المكالمة في السجل الرسمي لأنشطة نتنياهو في ذلك اليوم، وفقًا لأربعة مسؤولين مطلعين على التحقيق.
-تحقيق حساس للغاية
وبحسب نيويورك تايمز يُنظر إلى التحقيق على أنه حساس للغاية في دولة الاحتلال، حيث قد يكون السؤال بشأن ما كان يعرفه نتنياهو قبل الهجوم، ومتى تم إبلاغه بما جرى، أمرًا حاسمًا لمستقبله السياسي.
ومن المتوقع أن يلعب التحقيق الجاري دورًا رئيسيًا في تقييم ما بعد الحرب للدور الذي ربما لعبه القادة السياسيون والعسكريون في واحدة من أسوأ الإخفاقات العسكرية في تاريخ “إسرائيل”.
وهذا الاتهام هو مجرد واحد من عدة اتهامات وجهت إلى مساعدي نتنياهو في الأسابيع الأخيرة.
ونتنياهو نفسه ليس موضوع تحقيق من قبل الشرطة، لكن المسؤولين في مكتبه يخضعون للتحقيق لمحاولتهم تعزيز سمعته طوال حرب الإبادة في غزة من خلال تسريب وثائق عسكرية سرية، وتغيير النصوص الرسمية لمحادثاته وترهيب الأشخاص الذين كانوا يسيطرون على الوصول إلى تلك السجلات.
وساعدت القضايا، على الرغم من تباينها وتعقيدها، في تعزيز الانطباع بين منتقدي نتنياهو بأن فريقه استخدم وسائل غير مشروعة لتحسين كيفية يراه الرأي العام، على حساب الحقيقة أو الأمن القومي، أو كليهما.
ولم يتم الكشف عن المدى الكامل للادعاءات الجديدة لأن معظمها يخضع لأمر حظر النشر العسكري الإسرائيلي.
وتحدث المسؤولون الذين ابلغوا صحيفة نيويورك تايمز عن تفاصيل التحقيقات بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأنهم مُنعوا من التحدث علنًا عن هذه المسألة.
-المسألة الأولى: سجلات الهاتف
في يوم تنفيذ هجوم طوفان الأقصى تحدث نتنياهو بشكل متكرر عبر الهاتف مع كبار المسؤولين الأمنيين، بما في ذلك مع سكرتيره العسكري، اللواء آفي جيل.
ويقوم ضباط الشرطة بتقييم ما إذا كان مساعدو رئيس الوزراء الإسرائيلي قد غيروا سراً سجلات تلك المكالمات الهاتفية، وفقًا للمسؤولين الأربعة المطلعين على التحقيق.
وقال المسؤولون إن التحقيق بدأ بعد أن اشتكى الجنرال جيل – الذي ترك منصبه في أيار/مايو الماضي- كتابةً إلى النائب العام من أن النسخ الرسمية للمكالمات التي أجراها في ذلك الصباح مع رئيس الوزراء يبدو أنها قد تم تغييرها.
وقال المسؤولون إن الجنرال جيل قال في شكواه إن أحد كبار مساعدي رئيس الوزراء أجبر أحد النساخ على تزوير النسخ.
وأبلغ الجنرال جيل نتنياهو في إحدى المحادثات في وقت مبكر من السابع من 7 أكتوبر، أن مئات من المقاومين من غزة بدأوا يتصرفون بطريقة توحي بأنهم قد يكونون على وشك هجوم كبير، وفقًا لثلاثة مسؤولين مطلعين على التحقيق، ويعد توقيت هذه المكالمة أحد التفاصيل التي قيل إنها تغيرت في المحاضر الرسمية.
ومحتوى وتوقيت هذه المكالمات مهمان لأنهما قد يساعدان في تشكيل الطريقة التي ينظر بها الناخبون إلى نتنياهو.
ونفى نتنياهو على مدى أكثر من عام، تلقيه معلومات مسبقة عن هجوم طوفان الأقصى، وتجنب تشكيل لجنة تحقيق حكومية لتقييم مدى مسؤولية القادة العسكريين والسياسيين الإسرائيليين، بما في ذلك هو نفسه عما جرى.
-المسألة الثانية: مقطع فيديو محرج
تفاقمت قضية التزوير بسبب المخاوف من أن أحد مساعدي نتنياهو هدد ضابطًا عسكريًا كان يتحكم في الوصول إلى سجلات الهاتف، وفقًا لأربعة مسؤولين تم اطلاعهم على الحادث.
وقال المسؤولون إن الضابط تم تصويره على كاميرا أمنية مثبتة في مقر رئيس الوزراء وهو يرتكب فعلًا قد يسبب له إحراجًا شخصيًا.
وقال المسؤولون إن أحد كبار مساعدي رئيس الوزراء اقترب من الضابط بعد الحادث وأبلغه أنه حصل على مقطع فيديو للفعل المحرج، وكان المساعد الكبير هو نفس الشخص المتهم بإصدار الأمر إلى الناسخ بالتلاعب بسجلات محادثات نتنياهو، وفقًا للمسؤولين.
وذكر المسؤولون إن الضابط أبلغ قادته بهذا النهج، قائلاً إنه يخشى أن يستخدم المساعد الفيديو لابتزازه في المستقبل.
-المسألة الثالثة: وثيقة مسربة
وفقًا لستة مسؤولين مطلعين، فإن مساعدي نتنياهو متهمون أيضًا بتقديم وثيقة حساسة سراً إلى مؤسسة إخبارية أجنبية.
نُشرت الوثيقة في أوائل سبتمبر/أيلول، حيث تعرض نتنياهو لضغوط من أجزاء كبيرة من المجتمع الإسرائيلي للموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة حماس والذي من شأنه أن يسمح بالإفراج عن العشرات من الأسرى الإسرائيليين.
وجادل نتنياهو في حينه ضد اتفاق الهدنة المحتمل، قائلاً إن شروط الاتفاق ستسمح لحماس والمقاومة بإعادة تجميع صفوفها، وأثار موقفه غضب العديد من عائلات الأسرى، الذين أكدوا أنه تخلى عن الأسرى لصالح المشرعين اليمينيين المتطرفين الذين هددوا بانهيار ائتلافه إذا وافق على الهدنة.
ولتعزيز موقفه في الثامن من سبتمبر/أيلول، أدلى نتنياهو ببيان في اجتماع حكومته الأسبوعي استشهد فيه بمقال نُشر قبل أيام في صحيفة بيلد الألمانية وكان المقال عبارة عن مذكرة منسوبة لضابط استخبارات من حماس، وحصل عليها الجيش الإسرائيلي في وقت لاحق، وتم تسريبها إلى الصحيفة.
وقالت صحيفة بيلد إن الوثيقة أظهرت أن حماس سعت إلى التلاعب بأسر الأسرى لإقناع نتنياهو بالتنازل في محادثات الهدنة والموافقة على شروط أقل ملاءمة لإسرائيل.
واستشهد نتنياهو بتقرير بيلد ليزعم أن حماس سعت إلى “زرع الفتنة بيننا، واستخدام الحرب النفسية ضد أسر الأسرى”.
وقال المسؤولون إن المحققين يدققون فيما إذا كان نتنياهو يستشهد بوثيقة مزعومة سربها مساعدوه، ولكن لا يوجد ما يشير إلى أن نتنياهو نفسه يخضع للتحقيق أو أنه تم استجوابه.
-لماذا يتم التحقيق في التسريب؟
غالبًا ما يعطي المسؤولون الإسرائيليون وثائق للمراسلين، لكن جهاز المخابرات الإسرائيلي الداخلي “شين بيت” يفحص هذا التسريب على وجه الخصوص لأن الوثيقة تم أخذها من قاعدة بيانات استخباراتية عسكرية شديدة السرية.
وقد اعتقل أحد مساعدي نتنياهو، إيلي فيلدشتاين، كجزء من التحقيق، إلى جانب أربعة ضباط لم يتم الكشف عن أسمائهم متهمين بالمساعدة في الحصول على الوثيقة واحتجز الخمسة بموجب حكم قانوني نادر مخصص للاستخدام في الحالات التي توجد فيها تهديدات شديدة للأمن القومي فقط.
ولا يحقق جهاز “شين بيت” في مقال منفصل، نُشر في أوائل سبتمبر في صحيفة “جويش كرونيكل” اللندنية، والذي عزز أيضًا رواية نتنياهو، وفقًا لأربعة من المسؤولين.
وقال المسؤولون إن هذا المقال، الذي تراجعت عنه كرونيكل منذ ذلك الحين، يُعتقد أنه ملفق تمامًا بدلاً من أن يكون مستندًا إلى وثيقة مسربة، وقال المسؤولون إنه لا يُعتبر بالتالي تهديدًا أمنيًا يستحق التحقيق.
وتركز التحقيقات في الوثيقة المسربة إلى صحيفة بيلد على سبب السماح لمسؤولين لا يحملون تصريحًا أمنيًا كاملاً، مثل فيلدشتاين، بالوصول إلى مثل هذه الوثيقة السرية، وكيف وجدت مثل هذه الوثيقة الحساسة طريقها إلى الصحافة وما إذا كان التسريب قد أضر بطريقة تستخدمها “إسرائيل” لجمع المعلومات الاستخباراتية.
وقال المسؤولون إنه في حين أن محتوى مقال بيلد ليس محور التحقيق، فإن القادة العسكريين يشعرون بالإحباط بشكل خاص من الطريقة التي يبدو أن مكتب رئيس الوزراء قدم بها الوثيقة إلى الصحيفة الألمانية.
وزعمت الصحيفة أن الوثيقة تعكس موقف الشهيد يحيى السنوار، لكن مسؤولي الجيش الإسرائيلي يقولون إن الوثيقة لم يرها السنوار على الأرجح، وعلى أي حال، فإنها تشير إلى أن حماس كانت على استعداد لإظهار المزيد من المرونة في المفاوضات مما اعترف به نتنياهو علنًا.
وتعزز الاتهامات الانطباع في صفوف معارضي رئيس الوزراء، بأن فريق نتنياهو استخدم وسائل غير مشروعة لصرف الانتباه عن إخفاقاته.
ويزعم المنتقدون أن مساعدي نتنياهو أعطوا الأولوية لبقائه السياسي، في وقت كان ينبغي له فيه أن يركز بشكل خاص على الدفاع عن البلاد.
وقد تعزز هذا الانطباع بحقيقة أن نتنياهو رفض لسنوات الاستقالة على الرغم من محاكمته بتهمة الرشوة والاحتيال.
ويشير هذا الرفض بالنسبة للمعارضين، إلى أنه يهتم بمصيره أكثر من استقرار دولة الاحتلال.