على الرغم من ارتفاع نسبة التأييد الشعبي لدونالد ترامب منذ فوزه بالانتخابات الرئاسية يوم الخامس من نوفمبر الماضي، فإن أحدث استطلاعات الرأي تُظهر أن نسبة تأييده ما زالت دون 50 في المئة، وذلك قبل نحو شهر من توليه الرئاسة رسمياً في 20 يناير 2025. ويعتقد ترامب أن نتائج الانتخابات منحته تفويضاً لإدخال إصلاحات جذرية على إدارة الولايات المتحدة الأميركية. وبمساعدة من سيطرة «الجمهوريين» على مجلسي الكونجرس الجديد، حينما ينعقدا في الثالث من يناير المقبل، يفترض أن يكون ترامب قادراً على تنفيذ العديد من سياساته.
غير أن الأمر لن يكون سهلاً؛ ذلك أن «الجمهوريين» سيسيطرون على مجلس الشيوخ الأميركي بأغلبية 53 مقابل 47، في حين أن سيطرتهم على مجلس النواب ستتوقف على أغلبية ضئيلة جداً. إذ تشير آخر عملية فرز إلى أنه سيكون لديهم 220 مقعداً مقابل 215 مقعداً لـ«الديمقراطيين»، وهو ما يمنحهم هامش مناورة ضئيلاً؛ إذ لا يمكنهم تحمّل خسارة سوى صوتين فقط في أي قضية، على افتراض أن الديمقراطيين سيصوّتون جميعاً معاً. وبالنظر إلى الاختلافات الكبيرة في الرأي بين الجمهوريين، وخاصة فيما يتعلق بمسائل الميزانية، فإنهم سيحتاجون إلى إظهار وحدة استثنائية إن كانوا يأملون في تمرير بعض تشريعات ترامب المقترحة.
وفي الأيام التي سبقت عطلة عيد الميلاد، وجد الكونجرس الحالي الذي يهيمن عليه الجمهوريون، نفسَه مرةً أخرى في معركة مع أعضائه من أجل إيجاد الأصوات اللازمة لتمرير مشروع قانون مؤقت من أجل الحفاظ على تمويل الحكومة الأميركية حتى الربيع. وقد تكللت الجهود الأولى التي بذلها رئيس مجلس النواب مايك جونسون، من أجل إيجاد أرضية مشتركة مع الديمقراطيين، بنجاح ملحوظ، وكان المجلس جاهزاً للتصويت، غير أن مشروع القانون قوبل بانتقادات قوية من إيلون ماسك، الملياردير الذي أخذ على عاتقه التدخل في سياسة الكونجرس في إطار مهمته لمساعدة ترامب على حكم أميركا.
رد فعل ماسك العلني على مشروع القانون المقترح نُشر في العديد من المنشورات على منصته الخاصة للتواصل الاجتماعي «إكس» («تويتر» سابقاً) التي اشتراها مقابل 44 مليار دولار في عام 2020. وبعد ساعات من تصريحاته، نشر ترامب نفسه اعتراضاته على مشروع القانون على منصته الخاصة للتواصل الاجتماعي «تروث سوشل». ونتيجة لردود الفعل السلبية هذه، لم يعرض جونسون مشروع القانون على النواب من أجل التصويت عليه، ما أثار غضب الديمقراطيين، وعدد من الجمهوريين الذين عملوا بجد لإعداد مشروع قانون يحظى بدعم كلا الحزبين.
وبعد ذلك، حاول جونسون التوصل إلى حل وسط يكون مقبولاً لدى ماسك وترامب، لكنه لم يُشرك الديمقراطيين في هذا الجهد. والحال أن مشروع القانون كان محكوماً عليه بالفشل منذ البداية. ومع دنو خطر الإغلاق الحكومي الذي لم يعد يفصل الأميركيين عنه سوى ساعات، تم التفاوض على مشروع قانون ثالث بدعم من الديمقراطيين. وقد تسنى تمريره بسهولة في مجلس النواب، ثم أقره مجلس الشيوخ بسرعة، ووقّعه بايدن، ليتسنى بالتالي تجنب أزمة قبيل عطلة عيد الميلاد، وتعطيل العديد من الوظائف الحكومية الفدرالية، بما في ذلك إدارة أمن النقل التي تعمل في كل المطارات.
غير أن مشروع القانون النهائي لم يتضمن البند الذي أراده كل من ترامب وماسك بشدة، وهو أن يكون هناك بند خاص لإلغاء سقف الديون أو رفعه. وكان الأمل هو أنه إذا تأتى ذلك، خلال الأيام الأخيرة من إدارة بايدن، فإن ذلك سيمكّن ترامب من تمويل خططه التي تقضي بإنفاق أموال أكثر على تأمين الحدود الأميركية، والأهم من ذلك، على تمديد التخفيضات الضريبية لمصلحة الشركات الأميركية ورجال الأعمال الأثرياء جداً، وهي التخفيضات التي سُنَّت ضمن «قانون التخفيضات الضريبية والوظائف» الذي أُقر في عام 2017، لكن صلاحيته تنتهي في نهاية 2025. وكان ترامب قد وعد بتجديد هذا القانون، ما سيرفع الدَّين الوطني إلى مستويات قياسية جديدة وخطرة.
وفي الختام، أظهرت مشكلة تمويل الحكومة، قبل شهر واحد من تولّي ترامب مقاليد الحكم، أنه مهما كانت آمال الرئيس المنتخب جريئة وطموحة بخصوص إدخال إصلاحات جذرية على الحكومة الفيدرالية، فإن تنفيذها على أرض الواقع سيكون أصعب بكثير مما يأمل، إذ لطالما كانت السياسة الداخلية الأميركية أمراً معقداً يتطلب حلولاً وسطى إذا ما أُريد لأي تغييرات عملية أن تدوم.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز ناشيونال إنترست – واشنطن
*نقلا عن الاتحاد