السياسي – تتدحرج كرة المقاطعة والعزلة المتعددة لـ “إسرائيل”، على خلفية حرب الإبادة الشاملة التي تشنها على قطاع غزة، ولا تسلم منها الضفة الغربية المهددة بخطط الضم.
وتجلت أقوى تعبيرات وآثار المقاطعة على مستوى العالم، في تصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، التي أقر فيها بتعرض “إسرائيل” لعزلة سياسية دولية شاملة.
اعتراف نتنياهو بالعزلة، جاء في خطابه الذي وصفته وسائل الإعلام والنخب الإسرائيلية بـ “سوبر- سبارتا”، بأن “إسرائيل” في عزلة لكنها لا تقتصر على المجال الدبلوماسي فقط، بل تمتد إلى الاقتصاد والثقافة والرياضة والمجال الأكاديمي والسياحة والمجتمع.
بينما ترى تقارير غربية وإسرائيلية متماثلة أن العزلة ليست مؤقتة أو سطحية، بل متعددة الأبعاد، وتشمل مخاطرها فقدان الشرعية الدولية، وخسارة أسواق، وتعميق المقاطعة، وإمكانية تحول “إسرائيل” إلى “دولة منبوذة” بالكامل.
وكانت أكثر من 80 منظمة عالمية غير حكومية، من بينها رابطة حقوق الانسان ومنظمة اوكسفام، دعت منتصف الأسبوع الجاري، الدول والشركات إلى وقف التعاملات مع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
-موجة منع وإلغاءات
وحسب التقارير الدولية والإسرائيلية، تشمل المقاطعة، حرية التنقل، بما فيها إلغاء الإعفاء من تأشيرات الدخول في دول كثيرة، والحد من دخول الإسرائيليين، خصوصًا الجنود السابقين، يضاف إليها القطاع الأكاديمي والبحث العلمي، وتقلص المنح البحثية لـ “إسرائيل”، وصعوبات متزايدة في التعاون الأكاديمي مع جامعات ومراكز دولية، وغيرها من التفصيلات والمجالات.
ووقّع أكثر من 4000 سينمائي، على عريضة ضد التعاون مع “إسرائيل” واستبعاد فرق إسرائيلية من المهرجانات الدولية، وتصاعدت ظاهرة المقاطعة الثقافية، عدا عن خروج “إسرائيل” من خارطة السياحة العالمية.
وسجلت الصادرات الإسرائيلية تراجعًا في الملفات العسكرية والزراعية والاستهلاكية، يضاف إليها احتمالية توقف تصدير مواد أولية لـ “إسرائيل”، على غرار الخطوة التركية.
وتركت الحرب بصماتها في سجل الرياضة، تمثلت في محاولات منع الفرق الإسرائيلية من المشاركة في بطولات دولية، ومنها احتجاجات في إسبانيا ضد فريق الدراجات “إسرائيل برايمر”، وخطر الإقصاء من الألعاب الأولمبية.
ونشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية (المعروفة بدعمها لإسرائيل)، تقريرا بعنوان “إسرائيل تفوز بالحرب لكنها تخسر العالم”، أكدت فيه أنه بعد ما يقرب من عامين من الحرب في غزة، تواجه الدولة اليهودية خطر أن تصبح منبوذة، حتى بين حلفائها القدامى، وذلك بسبب انتهاكها الصارخة لكافة القوانين والمواثيق الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان.
-تسونامي يجتاح الاحتلال
ووصف الخبير في الشأن الإسرائيلي عمر جعارة، حملات المقاطعة الدولية المتصاعدة ضد “إسرائيل” بأنها “تسونامي” من الكراهية يجتاح الاحتلال، وهو ما أجبر نتنياهو على الاعتراف بالعزلة، رغمًا عن غروره، واعتبرها من بشائر الهزيمة لـ “إسرائيل”.
ويقول جعارة : الأمر لا يحتاج لإقرار من نتنياهو، فقد سبقه ليبرمان الذي هاجمه بقوله “متى ننتصر، بعد 8 سنوات مثلاً”، في الوقت الذي يصر في نتنياهو على المزيد من استهداف المدنيين العزل، أطفالا ونساء وشيوخا ومؤسسات مدنية، ما زاد من قناعات عالمية برفض رواياته المعزولة.
ويؤكد جعارة أن الاتحاد الأوروبي بدأ يفكر في فرض عقوبات جدية على “إسرائيل”، على وقع ما يتناقله الإعلام الإسرائيلي من تقارير غاية في الجرأة، مفادها “خسرنا العالم ولم نربح الحرب”.
وأشار إلى أن السياسيين في “إسرائيل” باتوا على قناعة بأن العالم أصبح ضدهم، وأن العزلة بدأت تضرب جذورها قبل الحرب.
غير أن الخبير في الشأن الإسرائيلي عليان الهندي، يرى أن الاحتلال لا يعبأ بكافة أشكال إعلانات المقاطعة العربية والإسلامية، لكنه يعتبر تصاعد المقاطعة من دول العالم، كالبرازيل مثلًا، أمرًا مزعجًا ومثيرًا للقلق.
-خسائر باهظة
ويردف الهندي:أن العزلة السياسية وتأثير مقاطعة الغرب، وهي التي يحسب الاحتلال حسابها، حيث تخرج الفضاءات الشعبية النخب والقيادات السياسية من أحضانها، ليقودوا بلادهم في حقبة سياسية ما، تحمل المخاوف الحقيقية للاحتلال الإسرائيلي.
وتعتبر أخطر المعارضات في العالم، وفق الهندي، تلك الواقعة في جغرافيا الولايات المتحدة الأمريكية، وأن التحذيرات الإسرائيلية بدأت في العشرين عاماً الماضية من إمكانية خسارة الحزب الديمقراطي والتيار اليساري فيه، بنسبة تصل الى 70% من الجيل الشاب، والمطالب بفرض عقوبات على “إسرائيل”.
وبدأت تتسلل للجمهور الأمريكي المحافظ، قضايا أبرزها أن “إسرائيل” لا تحب سوى مصالحها ويجب معاقبتها، إلا أن الخشية الإسرائيلية من وصول الرافضين للسياسات الإسرائيلية، إلى سدة الحكم، وقيامهم بفرض العقوبات السياسية والاقتصادية.
وتوقع الهندي أن تتعمق أزمات “إسرائيل” الدولية خلال الفترة القادمة، ما يستدعي جهداً عربيا وفلسطينيا موحدًا، يترجم معارضته لأمر واقع ينعكس على أصحاب القرار، الذين لا يرتبطون مباشرة بتأثيرات الولايات المتحدة الأمريكية