نقل موقع درج الالكتروني عن مجلة Le point الفرنسية لقاءا منشور في 19/02/2025 مع الجهادي الفرنسي عمر ديابي أو “أومسين” الذي حاولت قوات الامن السورية اعتقاله في ادلب ، حيث تطورت المواجهات الى ان اسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين
فيما يلي النص الكامل كما ورد على الموقع العربي نقلا عن الفرنسي :
زار الصحافيان دحام الأسعد وغيوم بيريه الجهادي الفرنسي عمر ديابي أو “أومسين” في حارم في إدلب، حيث يُقيم مع مجتمع صغير من الجهاديين الأجانب (المهاجرين) في لقاء يكشف طبيعة علاقة “هيئة تحرير الشام” مع المقاتلين الأجانب، وموقفهم منها بعد استلام السلطة في دمشق.
ليس من الصعب العثور على مقرّ الجهادي الفرنسي عمر ديابي في سوريا، إذ يُقيم في حارم، وهي بلدة صغيرة عُرفت بأنها مقرّ للمهربين، وتقع على الحدود التركية بين أنطاكيا وحلب.
يعرف الجميع “معسكر الفرنسيين” الذي يقع على قمة تل، شبيه بالتل الذي بنى عليه الإمبراطور البيزنطي نيقيفوروس الثالث حصناً في القرن الحادي عشر، وقد أسّس هذه “القرية الجهادية” قبل 12 عاماً، مجتمع صغير جاء من حي أريان في مدينة نيس (جنوب فرنسا).
المعسكر مجاور لمخيم الإسلاميين الراديكاليين من الإيغور في “الحزب الإسلامي التركستاني”، إضافة إلى أحياء الصفيح الأخرى التي تجمّع فيها النازحون السوريون و”المهاجرون”، أي الأجانب الذين جاؤوا للعيش في “أرض الإسلام”. المعسكر محاط بجدران عالية مزوّدة بكاميرات مراقبة وكواشف حركة.
ندخل من خلال باب فولاذي يفتحه لنا مراهق فرنسي يحمل رشاش كلاشينكوف. نطلب مقابلة زعيمهم عمر ديابي الملقب بـ”أومسين”؛ اختصار لـ “عمر والسنغال” (48 عاماً)، وهو من قدامى المجاهدين، ومقرّب من “تيار القاعدة”، وأبرز مُجنِّد للمقاتلين الفرنسيين الذين ذهبوا إلى سوريا مع بداية الحرب الأهلية.
“لدينا كل ما نحتاجه هنا”
سُمح لنا بالدخول بعد 5 دقائق، وقدّم لنا “الأمير” الفرنسي- السنغالي نفسه، هو ذو جسم رياضي يرتدي بدلة رياضية سوداء ماركة “أديداس”، له لحية صغيرة بيضاء، ونظارة رفيعة من ماركة “بوليس”. يُحيط به خمسة “إخوة”، لا يتحدّثون إلا بالفرنسية. من بينهم ذراعه اليمنى أبو صفية، واسمه الحقيقي غيوم بيروت(30 عاماً)، واعتنق الإسلام وتطرّف من خلال علاقته بديابي قبل أن يتبعه إلى سوريا في عام 2013، ويشغل أبو صفية منصب أمين صندوق “فرقة الغرباء”، كما يسمّون جماعتهم.
اصطحبونا إلى مقاعد حجرية مقابل ملعب لكرة القدم، حيث يلعب نحو عشرة أطفال. يدعونا عمر ديابي للجلوس “في مدرّجات ملعب فرنسا” كما يسمّيها مازحاً. بعد 12 عاماً، أصبحت هذه الجماعة الصغيرة راسخة في سوريا، وعلى الرغم من الاضطرابات الأخيرة، فهم مصمّمون على البقاء. يقول ديابي: “لدينا كل شيء هنا: أنشأنا مدرسة للأطفال ومسجداً، وعائلاتنا وأنشطتنا هنا، وقريباً سيكون لدينا ماشية وأبقار. لماذا نعود إلى فرنسا؟ بصراحة، لا نفتقد أي شيء من فرنسا… باستثناء الجبنة”.
“نحن متقاعدون”
عادت كتيبة الجهاديين الفرنسيين إلى الواجهة في كانون الأول/ ديسمبر 2024، بعد سقوط نظام بشار الأسد، عندما نشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر فيها مجموعة من المقاتلين فوق شاحنة صغيرة يتجوّلون في شوارع حماة، ثم في اللاذقية في الساحل، وهم يعبّرون عن فرحتهم باللغة الفرنسية.
يصرخ صاحب الفيديو عند مروره بقرية مسيحية قرب حماة: “حتى المسيحيين سعداء! الله أكبر!”، يُعتقد أن هذه الصور التقطها بلال ابن عمر ديابي. في يوم زيارتنا إلى حارم، كان بلال وآخرون في رحلة سياحية إلى دمشق، وأرسلوا مقاطع فيديو من المسجد الأموي.
أُعلنت وفاة عمر ديابي في 2015، ثم ظهر لاحقاً وسجنته في إدلب في عام 2020 “هيئة تحرير الشام”، وهو ما زال الفرنسي الأبرز الذي يتجوّل بحرّية في سوريا، على رغم أنه مطلوب بمذكّرة توقيف دولية منذ 2014 بتهمة “أنشطة إرهابية”.
يقول ديابي: “عندما وصلنا إلى هنا، كنا قرابة مئتي شخص. على مرّ السنين، كبر عددنا. جلبت أمي وأخواتي وأبناء عمي، وجميع أفراد عائلتي. ثم انقسمت المجموعة عندما انضمّ بعض الأشخاص، الأكثر تطرّفاً، إلى تنظيم الدولة الإسلامية. خسرنا الكثير، ومات بعض الأشخاص. قاتلنا من أجل سوريا، الآن انتهت مهمتنا، نحن في التقاعد”.
ومع ذلك، لا يزال ديابي يتابع عن كثب تطوّرات الأوضاع في سوريا، ويقول: “اليوم ندعو الناس إلى القدوم. إنها موجة ثانية من الهجرة (الهجرة التي قام بها النبي محمد من مكة إلى المدينة) لأن ما هو قادم أكثر خطورة مما حدث في الماضي”.
سُجن مع ابنه
كان ديابي لصّاً مسلّحاً في الألفية الثانية، وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات، ثم أصبح مديراً لمطعم صغير “باعه مع ربح جيد”، يتحدّث عن مسيرته من دون تحفظ: “بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، بدأت أطرح على نفسي الأسئلة: لماذا يُضحّي الناس بأنفسهم؟”، وبحسب رأيه، السبب هو “الظلم الصارخ للسياسات الأميركية والإسرائيلية” في الشرق الأوسط.
بعد خروجه من السجن، بدأ الدعوة مع جماعة “التبليغ”، يقول: “عندما بدأ الحراك في سوريا، لم يكن بإمكاننا البقاء مكتوفي الأيدي. بدأت أصوّر مقاطع فيديو لدعوة الناس للهجرة إلى الشام. عندها استدعاني جهاز الاستخبارات الفرنسي (DCRI) بتهمة التحريض على العنف والإرهاب، فأخذت أمتعتي وغادرت فوراً إلى سوريا”.
انضمّ ديابي إلى جبهة “النصرة” الفرع السوري لتنظيم “القاعدة” بقيادة أبو محمد الجولاني، وقاتل تحت إمرته، ثم انفصل عنه ودخل في صراع مفتوح مع الجولاني بعدما تبرّأ الأخير من ارتباطه بـ”القاعدة”. بالنسبة إلى ديابي، كان ذلك “خيانة كبرى”. اعتُقل ديابي للمرة الأولى في عام 2018، وسُجن مجدداً في 2020 مع ابنه في إدلب، وأُطلق سراحه في 2022، بشرط أن يبقى بعيداً في معسكره.
“الشرع يريد إرضاء الغرب”
منذ سقوط نظام الأسد وتولّي “هيئة تحرير الشام” السلطة في دمشق، يبدو أن لدى عمر “أومسين” الكثير ليقوله عن الرئيس الانتقالي الجديد أحمد الشرع، الذي استعاد هوّيته المدنية وارتدى بدلة رسمية، يقول ديابي: “إنه حرباء. ليس بإمكان أحد أن يغيّر سياسته بين عشيّة وضحاها. ما يهمّ هو ما تحت البدلة. إذا نجح في توحيد السوريين، فهو ساحر. لكني لا أصدق ذلك: عندما تصل إلى هذا المستوى من الأيديولوجيا، لا يمكنك أن تصبح ما يدّعي. إما أنه خدعنا، وإما خدعكم”.
يرتشف ديابي الشاي الساخن، ويتابع: “هنا يوجد مجاهدون راسخون في الجهاد، بإيمان قوي جداً، لن يقبلوا أبداً بحرّية المرأة أو المدارس المختلطة. نخشى أن تُهيمن الأيديولوجيات المنحرفة من الغرب، مثل الوكوية (wokisme) والمتغيّرين جنسياً، إنه يريد إرضاء الغرب، لكنه تساهل”.
من وجهة نظره، اختار أحمد الشرع الطريق الخطأ عندما انفصل عن “القاعدة”، وشقّ طريقه الخاص. ينتقد عمر ديابي القمع الذي مارسه الرجل القوي لـ”هيئة تحرير الشام” في إدلب خلال السنوات الأخيرة، قائلاً :” لقد التقيت بمقرّبين من الجولاني مثل أبو أحمد حدود (أنس خطاب، الذراع اليمنى للجولاني منذ 2012 ورئيس الاستخبارات السورية الجديد) وأعرفهم جيداً… إنهم مجرمون، وأنا شاهد على أفعالهم. بشار كان هو المعلّم. السجون السورية هي نفسها في كل مكان”.
ويختم ديابي قائلاً: “قبل أسبوع فقط، استُهدف أحد الإخوة بطائرة أميركية من دون طيار، كان عضواً في حراس الدين (جماعة جهادية تأسّست في عام 2018 بعد الخلاف مع هيئة تحرير الشام وظلّت موالية للقاعدة) كل هذه الأمور ستظهر يوماً ما”.
العودة إلى فرنسا غير واردة
أما عن “الإخوة” الذين غادروا اللواء وبقوا يقاتلون تحت راية “هيئة تحرير الشام”، فيعلّق ديابي قائلاً: “لقد سلكوا طريقاً آخر”. ولا يزال في المعسكر عشرات من الجهاديين الفرنسيين “نحو خمسين مقاتلاً”، وفقاً للمدّعي العام الفرنسي لمكافحة الإرهاب أوليفييه كريستين. تقديرات أخرى تُشير إلى سبعين، ويُسجَّل سبعة وعشرون في صفوف “هيئة تحرير الشام”، كما يُعتقد أن ثلاثين امرأة هربن من مخيمات الاعتقال، موجودات في منطقة إدلب.
يأتي طفل صغير راكضاً: “بابا، ماما تطلب منك القدوم”، يردّ عليه عمر ديابي: “أنا قادم”. تصله رسالة فيديو جديدة على هاتفه من بلال في دمشق، يظهر ابنه وهو يتجول في سوبرماركت في العاصمة السورية: “انظر، لديهم حتى جبن كامامبير فرنسي هنا!”.
وعندما نسأله عما إذا كان لواؤه من المقاتلين سيندمج في الجيش السوري مثل بعض الكتائب الأخرى، التي تضمّ بعض الأجانب، يتفادى الإجابة: “لا أستطيع الردّ”. وإن ساءت الأمور؟ “إذا لم يرغبوا فينا، فليمنحونا ممراً آمناً إلى بلد آخر نكون فيه آمنين، كأفغانستان مثلاً”.
بعد 12 عاماً في سوريا، لا يزال هذا المجتمع الصغير يتحدّث الفرنسية، وبالكاد يتحدّث العربية. يرتدون ملابس تشبه ملابس شباب حي أريان وليس سكّان الشام. يحلمون بالكامامبير في دمشق. لكن العودة إلى فرنسا لا تزال غير واردة بالنسبة إلى دیابي ورجاله.
يقول ديابي: “إذا عدنا… لا ثقة لدينا. مشكلتهم هي الإسلام. عندما يذهب الناس للقتال في أوكرانيا، لا يُطلق عليهم إرهابيون. ليس لدي أي مشكلة مع الأديان الأخرى، في نيس كان لدي أصدقاء مسيحيون وحتى صديق يهودي”.
ينفي الجهادي وقائد “الشبكة النيسية” أي اتهام بالإرهاب: “نحن لا نُرهب أحداً. لم ندعُ أبداً لشنّ هجوم في فرنسا”. لكن ماذا عن تصريحاته بعد هجوم شارلي إيبدو؟ حيث قال في 2016 لفريق من قناة “فرانس 2”: “كان يجب فعل ما فعله الإخوة كواشي. كنت أودّ أن يتمّ اختياري للقيام بذلك”.
في هذا الشأن، يضيف أومسين: “الأمر بسيط: لا تُهن النبي! إذا أهان أحدهم والدتك، ألا تُهشّم فمه؟ إنه الشيء نفسه. الإخوة كواشي انتقموا لإهانة النبي. قلت إني كنت أتمنّى أن أفعل ذلك، لقد تجاوزوا الحدود وتمّ تحذيرهم. لو أن الله منحني الفرصة، لكنت فعلت ذلك بابتسامة”، مشيراً هنا إلى الهجوم الذي تعرّض له مقرّ جريدة شارلي إيبدو في باريس عام 2015، وراح ضحيته 12 شخصاً وجُرح 11 شخصاً آخر.
نُشر هذا اللقاء بالفرنسية في مجلة Le point الفرنسية في 19/02/2025.