تصعيد المستوطنين الإسرائيليين بالضفة ينذر بفتح جبهة حرب جديدة

في كل يوم حرب إضافي في قطاع غزة تواجه إسرائيل مخاوف تفجر صراع أكبر متعدد الجبهات، فالحدود الشمالية مع لبنان غير مستقرة وتشهد مناوشات متبادلة تتطلب مناوبة دائمة من الجيش المنكب على تأمين الأجواء بعد الضربة الإيرانية المحدودة، وعينه على الضفة الغربية، حيث يتصاعد عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين.

في السابق، وقبل تفجر صراع غزة الدامي والمستمر منذ أكثر من 6 أشهر، بحصيلته المفجعة التي فاقت كل حروب الدولة العبرية السابقة على القطاع المحاصر، اعتاد الجيش الإسرائيلي تأمين وحماية هجمات المستوطنين على قرى الضفة الغربية، لكنّ مع انشغاله بالتحضير لهجوم رفح الوشيك، وتفرق كتائبة على عدة جبهات، صار التعامل مع الواقع الجديد في الضفة تحدياً إضافياً يستنزف موارد إسرائيل العسكرية المنهكة.

بوادر انفجار
كل يوم يمرّ على الضفة الغربية، يحمل معه بوادر انفجار أكبر تشعله حرائق المستوطنين لقرى ومنازل ومزارع الفلسطينيين المستمرة، في وقت تختبر فيه دول غربية مدى التزام إسرائيل بمعالجة عنف مستوطنيها وتحذرها من فرض مزيد من العقوبات عليهم، في ظل تأكيد جماعات حقوق الإنسان أن الجيش يفشل باستمرار في التزاماته تلك.

ويؤكد محللون لصحيفة “وول ستريت جورنال” أن قيام الجيش الإسرائيلي بالتنقل بين جبهات متعددة يجعل مهمة الحفاظ على الهدوء في الضفة الغربية أكثر تعقيداً.
يقول محلل شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة “تشاتام هاوس”  يوسي ميكيلبيرغ، “لقد اختار الجيش الإسرائيلي بشكل عام تجاهل عنف المستوطنين في الماضي، لكنه في الوقت الحالي لا يستطيع تحمل انفجار الضفة الغربية خلال حرب متعددة الجبهات، فقدرات الإسرائيليين في النهاية محدودة”.

قتل وتدمير وتشريد
ومنذ يوم الجمعة الماضي فقط، هاجم مستوطنون إسرائيليون أكثر من 17 قرية فلسطينية، وأحرقوا منازل وسيارات، وأطلقوا النار على ساكنيها وقتلوا 5 أشخاص على الأقل، بعد اختفاء ومقتل مستوطن مراهق في جبال رام الله.

وقالت متحدثة باسم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، إن مسعفاً فلسطينياً قتل اليوم السبت برصاص مستوطنين أثناء قيامه بمعالجة ضحايا أصيبوا بأعيرة نارية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، تعكس الصور القادمة من قرية قصرة بالضفة الغربية حجم عنف وتخريب المستوطنين الإسرائيليين.

وتسرد الفلسطينية سارة الوادي البالغة من العمر 23 عاماً ما عاشته من خوف ورعب، حينما نظرت بلمحة خاطفة خارج نافذتها ورأت مستوطنين مسلحين بالبنادق والهراوات يركضون مباشرة نحو منزلها.
وواصلت السرد قائلة، “في اللحظة التي رأيتهم فيها يتسلقون جدران منزلنا الخلفي، قفزت من النافذة وهربت إلى سيارتي ولذت بالفرار”، وعندما عدت بعد ساعات، وجدت كومة فحم، لقد أحرقوا المنازل بالكامل وحولوه لخرابة.

مؤخراً، أعلن الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة على مستوطنين عنيفين في الضفة الغربية بسبب ما وصفه بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين، وجمّد أصولهم ومنعهم من دخول أراضيه.

كما أعلنت إدارة بايدن عن عقوبات جديدة على جماعات تمول المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية.

ويؤكد محللون إسرائيليون، أن الجيش ينشر عدداً كبيراً من القوات في الضفة الغربية للحفاظ على أمن أكثر من 500 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون بين 3 ملايين فلسطيني.

ولا يكشف الجيش علانية عن أعداد قواته الفعلية في الضفة الغربية أو في أي مكان آخر، لكن المحللين يقولون إن هناك حوالي 20 ألف جندي هناك.
وقال كوبي مايكل، زميل أبحاث كبير في معهد تل أبيب لدراسات الأمن القومي وضابط سابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، إنه مع تمدد الجيش الإسرائيلي بالفعل على أكثر من جبهة، فمن غير المرجح أن تستجيب قواته بشكل فعال لحالات عنف المستوطنين في الضفة الغربية.
وقال: “لا يمكن أن يكونوا في كل مكان، وفي جميع الأوقات”.

وبالإضافة إلى هجمات المستوطنين، أدت الاشتباكات العنيفة بين القوات الإسرائيلية وفلسطينيين مسلحين إلى زيادة التوترات في الضفة الغربية. وقال مسؤولون في قطاع الصحة الفلسطيني أمس الأحد، إن 14 فلسطينياً على الأقل قتلوا في غارة عسكرية إسرائيلية في طولكرم.

عقبة أمام حل الدولتين
وقتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 435 فلسطينياً في الضفة الغربية والقدس الشرقية منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وفقاً للأمم المتحدة.
ومنذ أن احتلت إسرائيل الضفة الغربية في عام 1967، شرعت ببناء أرخبيل من المستوطنات بالقوة على الأراضي التي كان الفلسطينيون يأملون أن تكون جزءاً من دولة ذات سيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتزايدت هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين منذ عام 2017 على الأقل، وارتفعت بشكل أكبر بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) متسببة بمقتل 9 فلسطينيين حتى 8 أبريل (نيسان) الجاري، وتشريد أكثر من 1000 فلسطيني.

وتنتفي مزاعم الجيش الإسرائيلي بتحجيم تمرد المستوطنين بمجرد إلقاء نظرة خاطفة على التقارير الحقوقية، وتظهر لقطات نشرتها منظمة “يش دين” الحقوقية الإسرائيلية من إحدى القرى الفلسطينية، مستوطنون يضرمون النار في سيارة بينما كان الجنود يقفون بجانبها.
وتوضح سارة الوادي،  بعد حرق منزلها، “رأيت بعض الجنود يقفون بين المستوطنين المسلحين وأهلنا، ظهورهم للمستوطنين وبنادقهم تجاه شبابنا”.

ويعلق مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية خليل الشقاقي على عنف المستوطنين بالقول، إنه يشكل مصدر قلق كبير للفلسطينيين في الضفة الغربية، وخاصة في القرى الضعيفة المحاطة بالمستوطنات.
وسط تزايد الهجمات ومع قلة الموارد المتاحة، يظهر استطلاع للرأي أجراه مركز الأبحاث أن حوالي 40% من الفلسطينيين في الضفة الغربية يعتقدون أن أفضل وسيلة لمنع عنف المستوطنين هي تشكيل مجموعات مسلحة من قبل السكان في المناطق المعرضة للخطر.

وقال 23% فقط إن الشرطة الفلسطينية يمكنها معالجة هذه القضية، بينما قال 23% إن المزيد من الإجراءات من قبل الجيش الإسرائيلي ستكون أكثر فعالية.
وقال مسؤولون من السلطة الفلسطينية، إن قواتها الأمنية تتجنب الرد على هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين بسبب خطر وقوع اشتباكات  مع الجنود الإسرائيليين، الأمر الذي قد يوسع نطاق الصراع.

شاهد أيضاً