تعالوا إلى كلمة سواء

د.ماهر عامر

 

يتسارع الاستعمار لفرض سيطرته وتجسيد رؤيته للمنطقة، ساعيًا لإخضاع الجميع أمام دولة الاحتلال الإسرائيلي، وبينما ينشغل العرب وبعض فلاسفة العصر بتعزيز الانقسام ونشر روح الهزيمة والاستسلام للواقع المفروض، يعيشون في ذل انتظار الفتات من مائدة الاستعمار الإمبريالي، بحيث يتم الترويج لمفهوم الفرقة وتجسيد الولاءات على حساب مصالح الشعب والوطن، مستندين إلى خداع أنفسهم وتبرير مواقفهم بأن هناك أجندات يستثنون أنفسهم منها.
وفي غفلة أو بغير قصد، يغفلون أن الأجندة الوحيدة التي لا تقبل الخلاف هي الأجندة الفلسطينية الخالصة، التي تستند إلى الوحدة الوطنية كتعزيز حقيقي لدماء الشهداء والجرحى وآلام الأسرى والمهجرين واللاجئين منذ عام 1948.
ويقوم المشروع الصهيوني على استعباد العالم العربي وتعزيز هيمنة الاحتلال الإسرائيلي، مما يؤدي إلى إلغاء حق الشعب الفلسطيني في الوجود وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة، فكل منا لديه مشروعه الخاص، لكن هناك فرق كبير بين مشروع الاستعباد والذل، ومشروع الكرامة والعزة والحرية والوحدة، فيستمر الأقوياء في تنفيذ ما يرغبون به وفقًا لمصالحهم، دون الحاجة إلى مبررات، حيث تعتبر القوة هي المبرر الوحيد.
وبينما يسعى المظلوم إلى ممارسة حقه في النضال من أجل الحرية والكرامة والاستقلال، يحكم عليه بأن يكون مقيدا بمفاهيم فرضها الاستعمار، تدعي أن الشعوب لا تملك القدرة على مواجهة الطغيان، وقد أصبحت هذه المفاهيم سائدة بين المنهزمين، وهو ما نراه بكثرة في عصرنا الحالي.
وبين الحين والاخر، يظهر بعض الأشخاص بآراء تبدو صحيحة لكنها تحمل في طياتها نوايا خبيثة، مثل فكرة الانحناء أمام العاصفة، حتى أصبح هذا الانحناء طويلا لدرجة أن ظهورنا اعوجت، وأصبحنا نرى الهزيمة كقدر محتوم، ففي كل مرحلة من مراحل النضال والتحرر من الاستعمار، هناك ثمن من التضحيات الكبيرة، فلم يسجل التاريخ أن شعبا تحرر دون أن يقدم تضحيات.
وتظهر فئة من الناس المنهزمين بمقولات تدعي عدم جدوى المقاومة، مما يسهم في تعزيز دور المستعمرين المستبدين في نشر ثقافة الهزيمة واعتبارها أسلوب حياة من أجل البقاء، فالمقاومة تعد واحدة من أهم الوسائل، لكنها ليست الوسيلة الوحيدة، خاصة في ظل وجود استراتيجية وطنية موحدة ومتفق عليها.
ويرى الجبناء أن العجز هو عقل، وأن السكون والانتظار بلا حراك هو السبيل للحياة (العيش في ذل وخوف وخنوع)، ولكن أي حياة تفتقر إلى الكرامة والعزة؟ تستمر هذه الثقافة في التمدد وفق مصالح فردية تهدف إلى تفتيت الوحدة الوطنية وتماسك النسيج الداخلي.
كما تسعى لنشر الفتن والقلاقل وأسباب الفرقة والنزاع والشقاق الوطني، مما يؤدي إلى تحطيم المعنويات وكسر إرادة المقاومة وتفكيك الوحدة والمشاعر الوطنية.
وهنا يمكننا أن نأخذ مثالاً على ذلك من العلاقة بين دول الاستعمار، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ودولة الاحتلال، فرغم وجود اختلافات ظاهرة بين الولايات المتحدة وبعض الدول الاستعمارية الغربية ودولة الاحتلال، إلا أن المقولة الشهيرة “الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية” تنطبق هنا، بل يتجاوز الأمر ذلك إلى الدفاع المطلق عن جرائم الاحتلال وتقديم الدعم المالي والعسكري واللوجستي، وفي المقابل، نجد أننا نحن أصحاب الأرض والقضية، الذين نملك الدم واللغة والدين والثقافة والتاريخ، لا نكتفي بالصمت، بل نساهم في نشر الفتنة ونعيق أي محاولة لتعزيز حقنا المشروع في مواجهة المشروع الصهيوني وإنهاء الاحتلال.
وتظهر هنا مجموعة من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات:
1. هل يتماشى تجسيد مكانة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني مع آليات التعامل مع المنظمة، وخاصة اللجنة التنفيذية التي لم تعقد اجتماعاتها منذ عدة أشهر ولم تدع للاجتماع لاتخاذ القرارات في أصعب الظروف؟ هل أصبحت المنظمة مجرد غطاء وشعار، وهل تمثل مؤسساتها فعلاً الشعب الفلسطيني، أم أن هناك استخداما للفك والتركيب في هيئاتها العليا دون وجود جسم حقيقي يمثلها؟ أليس من الضروري إعادة الاعتبار للبيت الفلسطيني الجامع؟ فالوحدة الوطنية تحت مظلة المنظمة ليست مجرد شعار، بل هي الأساس المتين الذي يقطع الطريق على جميع المشاريع التي تستهدف شعبنا وقضيته.
2. هل لا يزال هناك من يراهن على دور فعّال للولايات المتحدة الأمريكية بعد الدعم غير المشروط الذي تقدمه لدولة الاحتلال، سواء قبل أو بعد أحداث 7 أكتوبر، بالإضافة إلى اعترافها بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال واستخدام الفيتو ضد أي مشروع فلسطيني؟ علاوة على ذلك، فإن صفقة القرن لم تغب عن الأجندة الأمريكية قبل وبعد 7 أكتوبر.
وبالطبع، فإن وجود السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة وسفيرها في إسرائيل يعد مؤشراً على السياسة المستقبلية، في حين أن الموقف الأخير المتعلق بتطهير القطاع وتهجير شعبنا يمثل دليلا آخر على ذلك.
3. هل يحتاج الاحتلال فعلا إلى مبرر لتنفيذ مخططه الذي وضع منذ تأسيسه على أرض فلسطين، والذي يقوم على فكرة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”؟ لقد أظهر الاحتلال عدم تردده في تنفيذ مخططاته من تدمير واعتقال وتهويد وغيرها من الأفعال.
4. وهل أصبحت مقاومة المحتل، التي أثبتت جدواها عبر التاريخ، بلا فائدة، وعلينا أن نتقبل الواقع المفروض من قبل الاحتلال ونتحول من المقاومة إلى الاستجداء من عالم لا يرى سوى مصالح دولة الاحتلال؟ أم أننا بحاجة إلى استراتيجية وطنية موحدة وشاملة تتعامل مع جميع القضايا والظروف المتغيرة، والتي يدفع ثمنها الشعب والأرض من خلال مسلسل الاستيطان والتهويد الذي لم يتوقف منذ قيام دولة الاحتلال وإعلان اتفاق أوسلو، مرورا بجميع المحطات التاريخية؟
5. هل يمكن الرهان على تحقيق السلام في ظل موازين القوى الراهنة، وضعف الوضع العربي والفلسطيني، والانقسام المؤلم، وتغليب المصالح الذاتية الضيقة؟
المجد والخلود للشهداء، والحرية لأسرى الحرية، والشفاء للجرحى.

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً