في ظل تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، وتزامناً مع الحرب التي تشنها إسرائيل، تبرز تساؤلات ملحة حول القدرات العسكرية التي قد تحسم الصراع، وفي قلب هذه التكهنات تظهر قاذفة القنابل الأمريكية “بي-2 سبيريت” (B-2 Spirit). فما هي هذه الطائرة؟ وما الذي يجعلها محورية في أي مواجهة محتملة مع إيران؟
المعضلة الإيرانية: منشأة فوردو المحصنة
يكمن جوهر القلق الإسرائيلي، وسبب إلحاحها على التدخل الأمريكي، في منشأة نووية واحدة: فوردو. تقع هذه المنشأة الحيوية على بعد 150 كيلومترًا جنوب طهران، وهي ليست مجرد منشأة عادية، بل حصن منيع مدفون على عمق 80 إلى 90 مترًا تحت الأرض في منطقة جبلية وعرة.
خطورة فوردو، بحسب تقرير لمعهد دراسات الحرب، تكمن في أنه إذا لم يتم تحييدها، فإن إيران قادرة على إنتاج ما يكفي من اليورانيوم لتصنيع تسعة أسلحة نووية خلال شهر واحد فقط. وقد زادت تصريحات البيت الأبيض من هذا القلق، حيث أشارت المتحدثة باسمه إلى أن إيران “لديها كل ما تحتاجه لصنع سلاح نووي في غضون أسبوعين”.
ورغم إعلان إيران عن نقل موادها النووية إلى “مكان آمن” بعد الضربات الإسرائيلية، تدرك تل أبيب أن قدراتها العسكرية الحالية قد لا تكون كافية لتدمير حصن مثل فوردو، مما يجعل الأنظار تتجه نحو واشنطن.
قاذفة “الشبح” B-2: الحل الأمريكي للمهمة المستحيلة
هنا يأتي دور قاذفة “نورثروب غرومان بي-2 سبيريت”، فهي ليست مجرد طائرة، بل هي المنصة الوحيدة القادرة على إنجاز هذه المهمة شبه المستحيلة. والسبب يعود لميزتين رئيسيتين:
قدرة حمل استثنائية: تتميز “بي-2” بقدرتها على حمل قنابل خارقة للتحصينات لا تملكها إسرائيل، وتحديداً قنبلة “جي بي يو-57” (GBU-57). تزن هذه القنبلة العملاقة أكثر من 13 ألف كيلوغرام، وهي مصممة لاختراق ما يزيد عن 60 مترًا من الخرسانة المسلحة قبل أن تنفجر. ويؤكد المؤرخ العسكري إيان هوروود أن “قاذفة بي-2 لديها متسع يكفي لنقل اثنتين من هذه القنابل”.
تقنية التخفي (الشبح): على عكس قاذفات أخرى مثل “بي-52” التي يمكن رصدها بسهولة، تتمتع “بي-2” بقدرة فائقة على التخفي عن الرادارات، مما يسمح لها باختراق أكثر الدفاعات الجوية تطوراً والوصول إلى أهدافها دون أن يتم كشفها.
بطاقة تعريفية: القاذفة B-2 Spirit
الوظيفة الرئيسية: قاذفة ثقيلة متعددة الأدوار (تقليدية ونووية).
السرعة: شبه صوتية (High Subsonic).
المدى: عابرة للقارات (أكثر من 11,000 كم بدون إعادة تزويد بالوقود).
الحمولة: تصل إلى 18,144 كيلوغرامًا من الذخائر.
التسليح: قادرة على حمل 16 قنبلة نووية من طراز B-83، أو قنبلتين خارقتين للتحصينات من طراز GBU-57.
الطاقم: طياران.
التكلفة: حوالي 2.1 مليار دولار، مما يجعلها أغلى طائرة عسكرية في التاريخ.
تاريخ التشغيل: دخلت الخدمة لأول مرة عام 1997.
من رادع نووي إلى أداة تدمير الحصون
صُممت “بي-2” في أواخر الثمانينيات خلال الحرب الباردة لتكون قاذفة استراتيجية قادرة على ضرب أهداف في عمق الاتحاد السوفيتي انطلاقاً من الولايات المتحدة. كانت مهمتها الأساسية هي الردع النووي.
لكن مع انتهاء الحرب الباردة، تطور دورها. كانت أولى مهامها القتالية في حرب كوسوفو عام 1999، حيث سجلت رقماً قياسياً في أطول مهمة قصف جوي. واليوم، ورغم أنها “بدأت تصبح قديمة”، إلا أن التطوير المستمر لقدراتها الشبحية وحمولتها الفريدة يجعلها أداة لا غنى عنها في الترسانة الأمريكية، وجوهر الثالوث النووي، والسلاح الأكثر ترجيحاً لتدمير الأهداف الأكثر تحصيناً في العالم، مثل منشأة فوردو.