المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية تحملت الكلفة الأعلى من ضريبة الإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني، وشهدت بعد 7 تشرين اول / أكتوبر 2023 صراعا مع المستوى السياسي الحاكم، بعدما اكتشف قادتها وضباطها وجنودها من مختلف تشكيلات الجيش والمؤسسة الأمنية من الجيش النظامي والاحتياط، ان مواصلة الإبادة لم تكن لخدمة الأهداف الأمنية، انما لأغراض شخصية وحسابات ضيقة، ليس هذا فحسب، بل تهدد حياة الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة، ولهذا وقع مئات الطيارين الإسرائيليين المتقاعدين، الى جانب عدد من عناصر الاحتياط في سلاح الجو، يصل عددهم نحو ألف على عريضة نُشرت أول أمس الخميس 10 نيسان / ابريل الحالي، دعت الحكومة الإسرائيلية الى ابرام صفقة فورية لإعادة جميع الرهائن من قطاع غزة، حتى لو تطلب ذلك وقفا فوريا للحرب.
ورغم الجهود التي بذلها قادة سلاح الجو لمنع نشر العريضة، وثني الطيارين عن التوقيع عليها أو سحب توقيعاتهم، ألا ان تلك المحاولات باءت بالفشل. وقال الموقعون إن “الحرب الحالية تخدم مصالح سياسية وشخصية، وليست أمنية”، كما طالبوا عموم الإسرائيليين بالانخراط في حراك فعال ومواز لحراكهم، وشددوا على ضرورة التوصل الى اتفاق يعيد الاسرى الى منازلهم فورا، مشيرين الى ان “الوقت ينفذ، وكل يوم تأخير يُعرض حياتهم للخطر”. وعلى إثر ذلك قرر قائد سلاح الجو تومير بار بالتوافق مع رئيس الأركان، ايال زمير ووزير الجيش يسرائيل كاتس ومباركة بنيامين نتنياهو إقصاء الطيارين الاحتياطيين الفاعلين الموقعين على العريضة، ويزيد عددهم عن 100 طيار.
ولم يتوقف الامر عند عريضة ضباط وجنود واداريو سلاح الجو، بل انضم لهم عشرات الأطباء العسكريين من قوات الاحتياط، بالتوقيع على رسالة جاء فيها، بعد 550 يوما من القتال نشعر بأن استمرار الحرب بغزة يخدم مصالح سياسية وشخصية. حسب صحيفة “يديعوت احرونوت”. كما ان المئات من جنود الاحتياط في الوحدة 8200 التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية، أعلنوا عن انضمامهم الى رسالة الطيارين بمضامينها المشار لها أعلاه. حسب القناة”13″ العبرية أضف لذلك، نحو 2000 عضو هيئة تدريس في مؤسسات التعليم العالي انضموا للعريضة الاحتجاجية بشأن الحرب على غزة. وبالتزامن مع ما تقدم طالب مئات الجنود من قوات البحرية وسلاح المدرعات، بإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ووقعوا على رسالة بذات المضامين، وفق القناة “12”، ونشرت صحيفة “هآرتس” مساء الخميس الماضي رسالة وقع عليها 150 ضابطا سابقا من سلاح البحرية، تدعو الى انهاء الحرب في غزة، وذكر الضباط أن “استئناف القتال يعيق إطلاق سرح الرهائن، ويعرض الجنود للخطر، ويتسبب في إلحاق الضرر بالمدنيين الأبرياء.” وشددوا على انه “بدلا من اتخاذ خطوات محددة لدفع اتفاق إعادة المحتجزين فورا، فإننا نشهد سلوكا حكوميا يقوض أسس الدولة، ويضُر بالثقة العامة، ويثير مخاوف جدية من القرارات الأمنية، تمليها اعتبارات غير مشروعة.”
وتحت عنوان “نشعر بالخيانة” قالوا في رسالتهم أن “الحكومة في الوقت نفسه، تروج لسياسات تمييزية: ميزانيات قطاعية، وإعفاء شامل من الخدمة العسكرية (في إشارة للحريديين).” وتابعوا، أن “المواطنين الذين يؤدون الخدمة يشعرون بالخيانة.” وذكر الضباط أن “عدم المساواة في تحمل الأعباء، يشكل انتهاكا للأساس الاجتماعي للأمن القومي، ويواصل تفكيك التماسك الاجتماعي في إسرائيل.” وكان من بين الموقعين على الرسالة كل من: القائد الأسبق لأركان الجيش الفريق/ احتياط دان حلوتس، والقائد الأسبق لسلاح الجو اللواء / الاحتياط نمرود شيفر، والرئيس الأسبق لسلطة الطيران المدني العقيد المتقاعد عساف نيري يركوني، وكذلك الرئيس السابق لقسم الموارد البشرية بالجيش اللواء / متقاعد، عيل ريغف، والعميد متقاعد في سلاح الجو، ربليك شافير، والعميد متقاعد في السلاح نفسه أمير هاسكل.
هذه الرسائل والعرائض من التشكيلات والوحدات العسكرية والأمنية والمدنية أيضا، تعكس حالة التشرذم التي تعيشها المؤسسة العسكرية والأمنية، وهي جزء بسيط من مجموعة الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والدينية والثقافية والسيكولوجية التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي، مما يشي للمراقب الموضوعي، انها تخلق دمامل ومفاعيل تتوسع تدريجيا في مفاصل ومركبات المجتمع الإسرائيلي برمته، ولهذا بالضرورة انعكاس على تماسك ووحدة المجتمع القائم على الركيزة والعمود الفقري للدولة الإسرائيلية، أي الجيش، فالدولة دون الجيش والمؤسسة الأمنية، لا يمكن ان تقف على اقدامها، حتى لو جاؤوا بأرجل من خشب، لإيقافها، فإسرائيل مركبة تركيبا فريدا من نوعه، جيش له دولة، وليس العكس، لأن دورها الوظيفي يقوم على البعد الأمني العسكري، كونها أداة وظيفية تؤدي خدمات مقابل ثمن يدفعه الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ولا يغرن احد ممن يتابع غطرسة وجنون نازية الدولة الإسرائيلية اللقيطة، تلك البلطجة الناجمة عن ضعف وعمق الازمات، لذا توحي للشعب الفلسطيني والعالم، أنها دولة “قوية”، والحقيقة، انها دولة ينخرها السوس ومتهالكة، ولولا قيادة الأميركية الشمالية وحلفائها من الغرب للإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني لتهاوت في مستنقع التاريخ ومزابله.
